أطفالٌ وأمهاتٌ وشيوخٌ يموتون في سريلانكا، وقضاء الله وقدره نافذ، لكن مرارة حرقهم يتجرعها أهاليهم ويدفعون ثمن المصيبة من أموالهم، ولا يمحو مرارة هذه الوحشية من قلوبهم المنكسرة شيء.
فأين عباد الله المخلصون الذين ينفذون قدر الله على الظالمين فيعيدون حقوق المظلومين؟ قال الجزيري في "الفقه على المذاهب الأربعة": "اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين.
(عن عون بن عبد الله، قال: ملَّ أصحاب رسول الله ﷺ ملّةً، فقالوا: يا رسول الله حدثنا! فأنـزل الله عز وجل: ﴿اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ [سورة الزمر: 23]. ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن! يعنون القصَص، فأنـزل الله: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص). تفسير الطبري.
فالله عز وجل قد أنعم على المسلمين أن جعل لهم من قصص سلفهم من الأمم عبرة، وأنزل إلينا من أخبارهم اليقين الذي يعين على سلوك الصراط المستقيم، فالعاقل من اتعظ بغيره. ولذلك نجد القرآن ينوع في القصص فيخبر عن ابتلاءات الأنبياء السابقين وثباتهم في الدعوة لله، وامتحان أقوامهم وما تعرضوا له من البلاء فيثني على من ثبت ويحذر ممن انتكس؛ والدرس لهذه الأمة المحمدية: عليكم بهدي الصابرين الثابتين ولا تكونوا ممن ضل وبدّل وغضب الله عليهم. وفي قصص السابقين مما يؤكد على ضرورة تنبه الأمة ويقظتها واتعاظها ممن سبقها حادثة قتل بني قريظة بعد نزولهم على حكم سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه. أورد المباركفوري في الرحيق المختوم: "فحبست بنو قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم. فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد: ما تراه يصنع بنا؟ فقال: أفي كل موطن لا تعقلون؟ أما ترون الداعي لا ينزع؟ والذاهب منكم لا يرجع؟"
القصص القرآني أخبرنا عن أصحاب الأخدود وماشطة بنت فرعون، ورسول الله حدّثنا عمن كان قبلنا يؤخذ بأمشاط الحديد ما بين عظمه ولحمه ما يردعه ذلك عن دينه. وهذه القصص تتكرر اليوم بغياب سلطان الإسلام حيث تُحرق جثامين مسلمي سريلانكا، فلا يبقى منهم لا عظم ولا لحم حتى ليدفنه أحباؤهم. وإننا إذ نرجو لهم الجنة على صبرهم كما وعد الله شهداء الأخدود بجنات النعيم، ونرجو لعدوهم عذاب جهنم وعذاب الحريق، فإننا كذلك يجب أن نلزم أنفسنا بالتزام النهج القرآني فيما يريده من قص أخبار السابقين: أن يكون المؤمن كيِّساً فطِناً فلا يُلدغ من جحر واحد مرتين.
من يراجع التاريخ يستطلع المستقبل، ومن يقرأ السيرة يستنبئ بالقادم... وعُرى الإسلام نُقضت الواحدة تلو الأخرى وتمسك الناس كما نبّأنا رسولنا بكل عروة حتى تُنقض أختها، ولم يبق اليوم للمسلمين من دينهم شيئاً؛ فالصلاة ممنوعة فلا جُمع في فلسطين ولا جنازات في سريلانكا... وما يجمع سريلانكا شرقا بفلسطين غربا إلا هذا الدين الذي هدمت دولته، ويريد الكفار طمس أحكامه.
لطالما عمل الغرب على تمزيقنا ليسود، وأشغلنا بالجروح في جسدنا الممتد من الصين إلى الأندلس كي لا نعود، ولكن المريض لا ينشغل الأطباء بكسور أطرافه وخدوش وجهه إذا ما اعتل قلبه وأوشك على التوقف.
وقوم بني قريظة الذين لم يعقلوا ما يعدّه لهم المسلمون من القتل نكالاً لخيانتهم، وصلت قصصهم إلينا كيما نعقل من أول ضربة يضربنا إياها عدونا فلا يُطمس على عقولنا. من قتل مسلمي كشمير فسلط عليهم الهندوس، ومن سلط يهود على أهل فلسطين، ومن تسلط على الروهينجا والإيغور لن يرقب في مسلمي سريلانكا إلّاً ولا ذمة. والضربة القاضية التي تلقّتها أمتنا في قلبها النابض وسر حياتها لم تكن احتلال فلسطين ولا انفصال كشمير، بل كانت القضاء على سلطانها ومصدر سيادتها الخلافة.
أجل، إن هدم الخلافة كان هو الضربة التي أصابت الأمة الإسلامية فجعلتها مخدرة تنهشها الضباع كيفما تشاء، فلا تستطيع الرد على احتلال أراضيها، ولا تحرك ساكناً على نهب ثرواتها، وقتل أبنائها أحياء وحرقهم أمواتاً.
أي حقد بلغ بالبوذيين مدّعي السلام، وأي صفاقة بلغت بنظام سريلانكا مدّعي العدالة كذباً، ليتجرؤوا على التنكيل بموتى المسلمين؟!
أما آن للأمة أن تدرك أنه لولا غياب الخلافة لما احتلت فلسطين وكشمير ولما انتهكت حرمة الموتى المسلمين في سريلانكا؟!
أما آن الأوان ليدرك العلماء والمؤثرون في الأمة أن جهودهم يجب أن تصب في خدمة القضية المصيرية للمسلمين التي تحل بعدها كافة قضاياهم وهي استئناف الحياة الإسلامية؟!
إن حزب التحرير، أيها العلماء هو الرائد الذي لم يكذبكم يوماً، يصل ليله بنهاره ليبين للأمة هذا الفرض الضائع بل تاج الفروض، فمن ذا الذي ينتقم لمسلمي سريلانكا ويوقف معاناتهم إلا الخلافة؟ ومن ذا الذي يوقف تجبر البوذيين في الشرق كما قضى على تجبر المغول سابقاً إلا الخلافة؟ ومن يوقف شلال الدم النازف من جسد الأمة إلا الخلافة التي توحد الشمل وترص صفوف الجيوش للجهاد فتقطع دابر الذين كفروا؟
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾.
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع