يقول رسول الله ﷺ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ، وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا». وعلي عزت بيجوفيتش يقول: "المسلم بين خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يغير العالم أو يستسلم للتغيير".
عنوان هذا المقال: المرأة المسلمة كيف تبني دولة الإسلام؟ ولا تزال المرأة ودورها في الحياة قضية خصبة للنقاش، ومثار تشكيك من الحاقدين على هذا الدين، فلهذا العنوان إذاً أن يثير التساؤل: هل للمرأة أن تبني دولة؟ بل ما شأن المرأة بالدولة أصلاً؟ لكن الله يقول: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾، ونحن إذ كنا أمة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فإننا ننطلق منها كي نقرأ ونستقرئ كل ما أشكل فهمه أو غاب بيانه عن الأذهان، من وحي القرآن.
إن الإنسان ينهض بما عنده من فكر عن الحياة الدنيا وما قبلها وما بعدها، فالنهضة هي نتاج بناء الفكر في بوتقة تنصهر فيها جموع الأمة على الفكرة، وترتضي لنفسها أن تكون هذه الفكرة هي المرجعية، وفي الإسلام فإن المرجع هو تركة رسول الله التي لن نضل ما تمسكنا بها: كتاب الله وسنة رسوله.
فالأمة بإيمانها بالله رباً وبمحمد نبيا رسولاً تعي أن رعاية شؤونها عمل يقام به وفق هذه العقيدة. فالسياسة إذاً من حيث هي قوامة على شؤون الداخل وتنظيم للعلاقات مع الخارج، ووساطة بين الساسة ومن يسوسونهم، فهي رعاية شؤون الناس وتنظيم أمور عيشهم. و"لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم".
من هنا، فالمرأة في هذه العقيدة، تقع في صلب العمل السياسي، وقد مارسته في عهد النبوة، وحتى انتهاء زمن الخلافة بكل أريحية؛ ممارسة فعالة مثمرة كجزء مهم من المجتمع، ومسؤولة تستشعر تكليف الله لها، وتضع نصب عينيها وقت الحساب على دورها في المجتمع ونهضته.
لقد كلف الله سبحانه المرأة والرجل كليهما بالعمل السياسي، فكلاهما تحت التكليف الشرعي في كل الأعمال السياسية سواء، عدا تولي الحكم فقد اختص به الرجال، لحكمة لديه. فالمرأة تكون وزيرة تنفيذ، وتكون قاضياً وتكون في مجلس الأمة فتحاسب الحاكم وتنوب عن الناس في أعمال السياسة، وتنتخب وتترشح للانتخابات، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. كل ذلك مباح بل بعضه فرض عين عليها كالمحاسبة والصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرض كفاية تقوم به فتنقذ جماعتها من الإثم كالصراع الفكري وكشف مؤامرات الظالمين على الأمة، وتعلم الإسلام وتعليمه لغيرها من النساء.
واليوم ونحن نطل على دولة الخلافة الراشدة المرتقبة فنستبشر بإرهاصاتها، فإننا كنساء واجب علينا أن نكون كما سمانا رسول الله ﷺ: «شَقَائِقُ الرِّجَالِ». فدولة الخلافة هي دولة للمسلمين جميعاً، والعمل لها قبل قيامها وتثبيت ركائزها بعد قيامها واجب علينا كالرجال. فمن فقهت أنها حفيدة أمنا عائشة رضي الله عنها التي كانت تسمى بالفقيهة، وحفيدة السيدة أم سليم التي قالت للنبي ﷺ "أنا وافدة النساء إليك"، وحفيدة خولة التي كانت سبب نزول آيات الظهار فاستخلصت حقاً لمن بعدها من النساء بحمايتهن من ظهار أزواجهن، تعي أنها على ثغر عظيم، وأن دولة الإسلام القادمة تحتاج منا كل جهد نبذله خالصاً لله سبحانه كي يأتي الإسلام يوم القيامة فنكون ممن نصره ولم يخذله.
رسم الغرب صورة نمطية للمرأة تضمن سفورها ومخالطتها للرجال، وصور العمل السياسي بالحضور المبهرج على الشاشات والاجتماعات المختلطة في ردهات الفنادق الفخمة، والسفر للدول الكبرى والدخول في المنظمات الدولية. هذه الصورة التي تتبادر لأذهان الكثيرين عند ذكر موضوع المرأة والعمل السياسي!
لكن الإسلام الذي تضمن وصفاً لكل تفصيل من تفاصيل حياة المرأة واهتم بها أيما اهتمام، يقرّ أن مشاركة المرأة في المجتمع ليست مشاركة لمجرد الظهور أو لإثبات وجود في معركة ندّها فيها الرجل، بل هي مشاركة الهدف منها هو نهضة المجتمع على أساس الإسلام، تضمن لها فاعلية الأثر وقوة الحضور. فالنساء اللاتي غلبهن الرجال على رسول الله فحجزنه لأنفسهن يوماً يعلّمهن، هن من وقفن لعمر بعد ذلك يحاسبنه في حق النساء في المهر، دفاعاً قبل ذلك عن حكم شرعي لا من منطق نسوي. هكذا بكل بساطة؛ الصدع بالحق في الوقت الذي يستدعي الصدع به، دون اجتماعات ولا حجز مقاعد في الجمعيات الغربية!
الغرب الذي عقد شراكة بالتراضي مع بضع نسوة من بلاد المسلمين، فتولى الإغداق عليهن بالمال والمناصب وتسليط الأضواء عليهن من مثل ملالا يوسفزاي وتوكل كرمان، مقابل ترويجهن لفكره فأصبحن سفيرات للحضارة الغربية، يهمه أن تبقى المرأة المسلمة بعيدة عن السياسة إلا ما دار في فلكه.
لذلك فإن المرأة المسلمة اليوم على ثغر عظيم في مرحلة بناء دولة الخلافة، للوقوف درعاً منيعاً أمام محاولات تشويه الإسلام، وحتى ترسم الخط المستقيم لبقية النساء عن أهمية المرأة وكيف ترتفع المسلمة بالإسلام وترتقي به.
كتاب "الصحاح" للجوهري نسخته امرأة وقالت في آخره: "من وجد في النسْخ نقصا فليعذرني، فإنما كنت أكتب بيميني وأهز ولدي بشمالي". وهذه الأمثلة حاضرة بقوة في عالم الدعوة اليوم، فقد صادف أحد المؤتمرات التي أقامها القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير، يوم ولادة أخت لنا من إندونيسيا وقد كانت ضمن فريق الإعلام المنوط به تصوير المؤتمر، فلم تتعذر بولادتها بل قد وضعت طفلها أول يوم ثم حضرت في الغد للقيام بعملها في عزيمة تطاول السماء! وإن لنا أخوات ممن يشرفن علينا في العمل في القسم النسائي كانت تنسى حظ نفسها من النوم وهي تتابعنا في أعمالنا خلال التحضير للمؤتمرات. فبارك الله فيهن وجزاهن خير الجزاء.
دولة الإسلام تحتاج سياسيات مبدئيات لا يلدغن من جحر الغرب ولا مرة، بل يدركن خبثه ومكره، فيرفضن كل مبادراته ويلفظن أي اتفاقية تصدر عنه بشأن المرأة بل إنهن يرددن مكره في نحره. وإعلاميات ناجحات يحترفن نشر الدعوة وتكون العقيدة هي محركهن للشهور في الشاشات لأنها منبر وثغر، لا من باب تأنيث الإعلام وحجز مقاعد للنساء في الإعلام. وتحتاج أمهات وزوجات مخلصات يكنّ الجندي المجهول الذي يربي القادة ويدفع بالرجال لميادين الدعوة وقد اطمأنوا أن خلفهم شقائقهم يحفظنهم بالغيب يحاربن في ميدان آخر. وتحتاج لفقيهات وعالمات يُحفظ بهن دين الله، سليلات عائشة وست الشام وأم البنين.
"اسكتوا نسكت!" قالها الإمام أحمد رحمه الله لما قيل له: كُفّ عن قولك القرآن كلام الله، فقال: "اسكتوا نسكت". أي: كفوا عن قولكم مخلوق نكف عن قولنا كلام الله. ودولة الإسلام تحتاج لمخلصات يرفعن صوتهن بوجه الغرب: اسكتوا نسكت.
فيا نساء المسلمين: من الآن فأعددن أنفسكن للقيام بمهمة بناء دولة الخلافة، وأخلصن النية لله. فهذه الغرسة الطيبة ستكون شجرة ضاربةً جذورُها في ميزان حسناتكن يوم القيامة.
لقد آن الأوان لأن يجدّ كل مخلص بما عنده ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع