هل يخفى موقف أمريكا المتآمر على ثورة الشام؟ ولماذا سمى أهل الشام إحدى الجمع (أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟)، هل انتهى حقد أمريكا أم أنه ما زال مستمرا؟ وكيف تحتدم المواجهة بين أمريكا وبين ثورة الشام إن كانت جبهات القتال باردة بل مجمدة؟ أليس ثلاثيُّ التدخل الظاهر في سوريا هم تركيا وإيران وروسيا؟ فأين دور أمريكا؟
في هذه المقالة سنحاول تجْلِية موقف أمريكا أكثر مما هو واضح للمتابعين.
فما حصل من قتال بين مليشيا قسد وبعض العشائر شرق نهر الفرات في مناطق دير الزور هو تحت نظر أمريكا والتحالف الدولي، وهي التي دعمت قسد وجعلتها تتسلط على المكون العربي، فهو يظهر دور أمريكا المتخفي خلف أدواتها.
وما يحصل من تركيز إعلامي على مظاهرات السويداء التي اتخذت موقف المزهرية طوال سنوات الثورة يقابله تعتيم إعلامي كبير على حراك الثوار في درعا وحوران، بينما نسمع أصواتا مأجورة تطالب بفخ أمريكا السياسي الذي يرتكز على القرار 2254، واللافت أنهم خرجوا فجأة في الساحل وجبل العرب وحتى في الشمال وإدلب برعاية مخابرات الجولاني!
وما سبق كل ذلك من اختطافات واقتحامات للبيوت طالت شباب حزب التحرير ومجاهدين مستقلين وناشطين ثوريين قام بها صبيان التحالف فانتفض الناس في وجههم بحراك ثوري شعبي مباركٍ وغيرِ مرتبط.
كل ما يحدث يؤكد للمتأمل المتفكر أن الصراع في جذوره وحقيقته بين حق وباطل، وهذا الصراع هو بين أمريكا وأدواتها وعملائها وتحالفها من جهة وبين أهل الشام المتمسكين بثوابت ثورتهم ودينهم من جهة أخرى.
وقد يخفى على البعض أن أمريكا التي تعتبر زعيمة العالم هي الخصم اللدود الذي يحارب ثورة الشام.
أما النظام المجرم بدستوره وجيشه ومخابراته ممثلاً بالطاغية الأسد فلا يشك أحد بعمالته لأمريكا رغم زعمه معاداتها.
وبالثورة عليه أحست أمريكا بالتهديد الوجودي لها في الشرق الأوسط وبلاد المسلمين، فقد أدركت عوامل قوة الثورة وقدرتها على الإطاحة بالنظام المجرم وأهمها:
أولاً: ارتباطهم بعقيدتهم وقوة إيمانهم وقد اتضح ذلك في هتافهم "هيي ويا الله، ومنصورين بعون الله"، وفي رفعهم لراية العقاب، راية رسول الله ﷺ في مظاهراتهم ثم في جهادهم.
ثانياً: إرادتهم العظيمة وإقدامهم لتحقيق هدفهم وتقديمهم التضحيات العظيمة وهم صابرون محتسبون.
ثالثاً: اقتناعهم بالمغالبة لا بالمطالبة، فهم لا يعترفون بالنظام المجرم ولا بأسياده، ففي 1/2/2013 حملت جمعة الثورة اسم (المجتمع الدولي شريك بشار في جرائمه)...
فعملت أمريكا على ما يلي:
أولاً: الخداع وحرف البوصلة، وضخت في سبيل ذلك المال السياسي القذر عن طريق قطر وتركيا والسعودية وسخرت له المشايخ والإعلام والمطبلين وعملاء مرتبطين تستروا بلباس الإسلام.
ثانياً: محاولات كسر الإرادة؛ بإعطاء الضوء الأخضر للنظام وأجهزته ثم إيران ومليشياتها وروسيا المجرمة لصب إجرامهم صباً (براميل وكيماوي وحصار وتهجير وتجويع) لكسر إرادة أهل الشام.
ثم جاء تسلط الحكومات المصنّعة وقادة الفصائل المرتبطين لتتسلط على حاضنة الثورة وتكسر إرادتها، فعملت على خطف المخلصين وتكبيل المجاهدين.
ولا بد من التنبيه أنها وضعت قاعدة لكل أعمالها وهدفاً لجميع خططها يتمثل بالقرار الذي ضج بذكره الإعلام اليوم وهو القرار 2254، فما هو القرار وما هي بنوده؟
القرار ليس حديثاً فقد تم إقراره عام 2015 عندما كان المحرر أكثر من ثلثي البلاد. لكن هل قرره الثوار والمجاهدون والشرفاء؟ هل قرره أهل الشام؟ الجواب لا، بل قرره أعداؤهم؛ فقد صوتت دول مجلس الأمن على مقترح أمريكا السياسي، وللمفارقة كانت روسيا المجرمة على رأس المصوتين بالموافقة، ولو لم يكن القرار أحد أشكال قتل الثورة وإنهائها ما وافقت عليه.
ثم إن القرار لم ينص مطلقاً ولا في بند من بنوده ولو تلميحاً على مصير الطاغية المجرم، بل له الحق بحسب القرار أن يخوض الانتخابات النزيهة حتى يقرر السوريون رئيسهم. ويعلق على هذا البند بعض المخدوعين فيقولون: "حتى لو دخل بشار الأسد الانتخابات فلن ينجح، انحرقت ورقته!" ظناً منهم أن المشكلة في شخص الطاغية فقط متجاهلين إجرام النظام بمخابراته وجيشه ومؤسساته وشبيحته ودستوره.
وقد طالب القرار بإجراء بعض التعديلات الدستورية في الصياغة والقشور.
وينص القرار على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وكذلك المحافظة على مؤسسات الدولة وخاصة الجيش والأمن.
أما المحافظة على النظام الجمهوري العلماني فيعني أن النظام الظالم الفاجر سيبقى علمانيا وسيستمر بإقصاء الدين عن الدولة والمجتمع.
فيتبين أن القرار 2254 هو حل وخلاص لكن ليس لأهل الشام، إنما لأمريكا حتى تنقذ نظامها العميل، وتأمن على نفسها من رعب الإسلام والجهاد الذي سيقتلها.
وفي جديدها هذه المرة استشرست وضغطت عبر الإعلام المأجور والدعاية الكاذبة لتخدع أهل الشام بالقرار الدولي ٢٢٥٤، وحركت أدواتها على طول البلاد وعرضها للمطالبة به ليظهر أنه مطلب شعبي مع أنه في حقيقته مطلب أمريكي.
إن أعمال أمريكا المخادعة وخططها الخبيثة لفرض حلها السياسي للقضاء على ثورة الشام لم تتوقف يوما، ولا يمكن التصدي لقرارها وفخاخها إلا بالوعي والعمل الجاد والسير خلف قيادة سياسية صادقة واعية تحمل مشروع الإسلام العظيم، مشروعا يوحد جهود الصادقين ليقودها في صراع الباطل لإسقاطه في عقر داره.
إننا يجب أن نعلم أن أمريكا التي كلفت تركيا بمتابعة الملف السوري هي ذاتها التي تدعم (قسد) عدوة تركيا أي المليشيات الانفصالية (بي كا كا).
ألا يرون أن أمريكا هي التي تقصف المجاهدين المخلصين بشرائح عملائها على الأرض؟
ألا يرونها استقدمت روسيا إلى مستنقع الحرب السورية ثم تلزم الأطراف بحلها السياسي؟
وتترك إيران تتمدد حينا ثم تحجمها في حين آخر؟
تغدر بالجميع وتخدع الجميع حتى أبناء ملتها في الكفر والرأسمالية...
فكيف نثق بحلولها أو قراراتها؟!
وكيف نرتجي من الشوك العنب؟!
وكيف نرتجي العلاج بعقاقير السم الزعاف؟!
إن الذي يبطل كيد المتآمرين وأدواتهم لا يكون إلا العمل الصادق والجاد للتخلص من هيمنة كل الدول المتآمرة وعلى رأسها أمريكا ومن كل المشاريع الانفصالية الضيقة، والتوحد حول مشروع الإسلام العظيم، والتوجه بعد التوكل على الله والاعتصام بحبله وحده لإسقاط نظام الإجرام بفتح المعارك الحقيقة الحاسمة، لإقامة حكم الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاضه؛ فهي الخلاص لجميع أبناء الأمة وهي مرضاة لربنا وتوحيد لأمتنا ومصدر لعزنا، وإنها لوعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ القادمة قريبا بإذن الله، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع