تسارعت الأحداث أم تباطأت، وكثُرت الأخبار أم قلّت، فالمشهد الذي يعيشه أهل ثورة الشام لا زال واحداً ولم يتغير بعد.
ذلك أن أمريكا تحاول كسب الوقت وتمديد عمر عميلها ونظامها في سوريا، وتتمنى بقاء الأمور في خطتها التي رسمتها في جنيف والقرار الأممي 2254، من خلال أساليب قذرة كثيرة يحسبها البعض مستجدات في الأحداث ومنها:
إيجاد العقبات في طريق أهل الثورة كنقاط المراقبة، وتسيير الدوريات التركية الروسية، وإشعال نار الاقتتال بين الحين والآخر، وحماية النظام المجرم من بنادق المخلصين، واغتيال الرافضين لتآمر النظام التركي وأدواته والتضييق على الناس في لقمة عيشهم ومحاولات فتح معابر كخطوة عملية لقبول المصالحات.
لكن.. حقيقة المشهد أنه "لا جديد"، ولا زال الصراع محتدما، وكما أن أهل الثورة ماضون نحو هدفهم ولم يحققوا مبتغاهم بإسقاط النظام بعد، فكذلك لم تستطع أمريكا أن تطوي ملف الثورة بعد، وتصريحاتها تدل على عجزها وغياب أفق حسمها للملف لصالح عميلها، وها هو المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون يصرح قبل مدة أن "الحل السياسي الشامل لسوريا ليس وشيكا".
والسؤال الذي يتردد على لسان الكثيرين: "متى تستعيد ثورة الشام قرارها ويجدد أبناؤنا عهدهم مع خالقهم ويقطعوا حبالهم مع حبائل أمريكا والنظام التركي المتآمر وأدواتهما ليرتد تآمرهم وكيدهم إلى نحورهم"؟!
إن التعلق بالسياسة الأمريكية، وبالمواقف التركية والمجتمع الدولي هو أس الداء، ومنبع البلاء، فأكبر خطأ هو أن نربط قضيتنا وثورتنا بمواقف غيرنا.
بل من العجز أن ينتظر الناس قَدَراً يغير الحال أو إماما مهديا يقيم الإسلام أو فصيلا يسقط النظام، وثقافة العجز هي التي تزيد من وقاحة وفجور ما يسمى بالمجتمع الدولي.
والحق هو أن نسأل: من الذي يرفع راية الحق؟ ومن الذي صدقنا النصح من بداية الثورة وحتى الآن؟ ومن هو صاحب المواقف الثابتة الذي لم يغير ولم يبدل لنسير معه لتحطيمِ مشاريع الكفر وإقامةِ مشروع الإسلام العظيم؟
هذا هو السؤال الصحيح، لأن الرسول ﷺ علمنا المبادرة ونهانا عن الانتظار: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ غِنًى مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ». فالمبادرة من صفات المؤمنين والعجز والانتظار متلازمان مع اليأس، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقد بادر رسولنا ﷺ فقلب الجزيرة العربية من الكفر إلى الإسلام، وبادر الصدّيق فحافظ على ميراث النبوة رسالة ودولة، وبادر الفاروق فحطم أعظم إمبراطوريتين؛ فارس والروم، وبادر صلاح الدين فحرر المسجد الأقصى المبارك، وبادر أبو أيوب الأنصاري فمات على أسوار القسطنطينية، وبادر السلطان محمد الفاتح ففتحها، وفي هذا العصر بادر أهل الشام فهزوا عروش الطغاة بثورتهم، واليوم!!
من يبادر لتحرير المعتقلات وفك الأسيرات؟!
من يبادر لإسقاط النظام المجرم وصون التضحيات؟!
من يبادر لتصحيح مسار الثورة واستعادة قرارها والتمسك بثوابتها ومواصلة السير نحو تحقيق أهدافها؟!
متى يبادر الوجهاء بأخذ دورهم باحتضان حملة الدعوة والثائرين والمجاهدين المخلصين؟!
ومتى يبادر الصادقون بتقديم أوراق اعتمادهم إلى الله تعالى يتوكلون عليه ويعتصمون بحبله وحده والانطلاق لإسقاط نظام الإجرام في دمشق؟!
متى يبادر العقلاء لرمي القيادة السياسية التركية المتسلطة والخائنة وراء ظهورهم ويتخذوا قيادة سياسية مخلصة وواعية ذات مشروع واضح من صميم عقيدة المسلمين وحريصة على الأمة وحفظ تضحياتها؟!
فحين تتم الإجابة على هذه الأسئلة يمكننا القول إننا نسير في طريق النصر، فلا بد أن تقوم كل جهة بواجبها وتتحمل مسؤوليتها، والعمل لصنع الحدث لا الاكتفاء بمتابعته؛ حينها سيتحقق وعد الله، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ويقام حكم الله في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
رأيك في الموضوع