انتهت الحرب؟ انتهت الثورة؟ انتصر أهل الشام أم النظام المجرم ومجتمعه الدولي؟ ألم يخفت هدير البراميل المتفجرة؟ ألم تعلن مجنزرات العسكر المجرمة هدنتها؟
إذاً نحن في مرحلة جديدة ننفض فيها عن رؤوسنا غبار الردم ونتطلع لإعمار سوريا المستقبل ونبحث فيها عن بقايا حياة كريمة لم يتركوها لنا!!
تمهل رويداً! فالحرب في أوج قوتها اليوم على أهل الشام. ليست حرب صواريخ ومدفعيات أو تقدم عسكر ومليشيات، بل هي حرب سياسية نفسية لجأ إليها أعداء الأمة عندما ثبت فشلهم وتأكدت هزيمتهم في الحرب العسكرية مع أبطال الشام ومجاهديها برغم ضعف عتادهم وقلة عددهم إلا أنهم أرعبوا ملة الكفر بإقدامهم وعزمهم في الغوطة وحمص واللطامنة وحلب ومعرة النعمان ودرعا، ولا زالت الأخيرة مصدر قلق يقض مضاجعهم إلى هذه الساعة.
علموا أن قوة الشام ليست إلا بمضاء أفئدتهم بالإيمان، فعملوا على إكسابهم العجز وتعليمهم الوهن، وأعلنوا عليهم حرباً خفية تقتل بلا صوت وتذبح بلا دم وتُميت أرواح الناس وقلوبهم مع سلامة أجسادهم.
لا يعي على هذه الحرب إلا من تبصر بحقائق الإيمان وعمل بها ولا يواجهها المؤمن ابتداءً بسيف أو بندقية بل بعقيدة راسخة أولاً ومبادرة لإعلاء كلمة الله ثانياً، ثم هو في طريقه اتخذ بوصلة الحكم الشرعي الذي يرشده إلى مرضاة الله تعالى.
أرادوا في حربهم هذه أن يطبقوا على أهل الشام نظرية مارتن سيلجمان أو ما تسمى بنظرية العجز المتعلَّم والمكتسب.
اكتشف هذه الظاهرة عالم النفس الأمريكي مارتن سليجمان (ولد عام 1942) في ستينات القرن الماضي عن طريق الصدفة، إذ أحضر بضعة كلاب ربطها كي لا تهرب ووضع أمامها مصباحا كلما استنار صعقهم تيار كهربائي مؤلم، وذلك بقصد تعليم الكلاب الهرب كلما استنار أمامهم المصباح لاحقا. بعد ذلك وضع الكلاب بدون رباط في ما يشبه القفص به جانبان أحدهما به تيار كهربائي والآخر بدون تيار فكان ينير المصباح معلما الكلب أن الصعقة قادمة بقصد الهرب للجهة الأخرى الآمنة، ولكن هذا لم يحدث إذ إن الكلب كان ينبطح أرضا في استسلام تام كلما رأى المصباح يستنير ويبدأ بالأنين من آلام الصعقة الكهربائية منتظرا زوالها. استغرب سليجمان واستنتج حينها أن الكلاب لم تحاول أبدا الهرب رغم أن الحل موجود أمامها وما عليها إلا الخطو خطوة واحدة للتخلص من الآلام، إذاً فالكلاب تعلمت العجز!
جرب سيلجمان نظريته على مجموعة من البشر بأسلوب الألغاز والضجيج والاستنتاج ذاته.
نعم هذا ما يريدون تجربته وتطبيقه علينا؛ نظرية سيلجمان وإكساب العجز وتعليم الوهن، وأدوات تجربتهم هي الفصائل والضامنون والمال السياسي القذر والمنظمات غير الإنسانية والإعلام ومسخ الحكومات (المؤقتة والإنقاذ) وأسد المجرم ومشايخ اليأس والتحبيط، كل ذلك وأكثر ليكسروا عزيمة أهل الشام، ولكن بالمقابل فإن حقائق الإيمان تدحض هذه النظرية وأدواتها ونتائجها، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾
وكما يقول الحافظ المفسر عكرمة فإنها نزلت لما كان قتال أُحد، وأصابَ المسلمين ما أصاب، صعد النبيّ ﷺ الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: "يا محمد، ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحرب سِجَال، يوم لنا ويوم لكم". فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: أجيبوه. فقالوا: "لا سواء، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار". فقال أبو سفيان: "عُزَّى لنا ولا عُزَّى لكم"، فقال رسول الله ﷺ: قولوا له: "الله مولانا ولا مولى لكم". قال أبو سفيان: "أُعْلُ هُبَل، أُعْل هبل"! فقال رسول الله ﷺ: قولوا له: "الله أعلى وأجل".
هل لاحظت كيف أن أبا سفيان يريد ضرب الروح المعنوية عند الصحابة بمثل نظرية سيلجمان وكيف أن الرسول ﷺ يضرب كلامه ويرد عليه بحقائق الإيمان؟
فاثبتوا يا أهل الشام وأغيظوا العدا بالتزامكم بالإيمان واستأسدوا بجهاد الظالمين ولا يقعدنكم عن نصرة الحق اتفاقيات سياسية ولا هدن خبيثة، لا تتنازلوا عن هدفكم بإسقاط النظام المجرم بكافة رموزه وأركانه حتى تكللوا نصركم بالتمكين لدين رب العالمين.
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
رأيك في الموضوع