منذ أن بعث الله النبي ﷺ بهذا الدين الخاتم والرسالة الخالدة، وما إن صدع ﷺ بدعوته ودعا الناس إليه، وعاب أفكار الكفر ومفاهيمه، ونقض عاداتهم البالية، حتى تصدى له أهل الكفر بشتى أنواع الصد والإيذاء، وقد تعدّدت محاولات المشركين لاغتياله ﷺ، والقضاء عليه، وعلى دعوته، ومن هذه المحاولات مبادلته مع عمارة بن الوليد، فقد كان عمارة بن الوليد بن المغيرة من أجمل شباب قريش، فجاءت به قريش إلى أبي طالب؛ ليتّخذه ولداً له، ويُعطيهم مقابله الرسول ﷺ ليقتلوه؛ ظنّاً منهم أنّ أبا طالب سيوافق على طلبهم؛ لأنّه رفض الدخول في دين الإسلام، إلا أنّ أبا طالب صدهم قائلاً: "والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني فتقتلونه، هذا والله ما لا يكون أبداً". وكذلك محاولة عقبة بن أبي معيط قتله ﷺ فقد كان عقبة من كفار قريش الذين لجأوا إلى أشد الأفعال شناعة؛ لمحاولة قتل الرسول ﷺ والتخلص منه؛ فقد باغت الرسول ﷺ من خلفه وهو يُصلّي، ووضع ثوبه حول عنقه، وخنقه خنقاً قويّاً إلى أن جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبعده عنه، وقال له: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟".
ومن هذه المحاولات شروع أبي جهل بقتل النبيّ ﷺ، حيث عقد أبو جهلٍ اجتماعاً مع قومه ذات يوم يخبرهم فيه عن أفعاله ﷺ؛ من تسفيهٍ لآلهتهم، وتعييب لدينهم، ورأى أنّ قتلَه هو خير فعل؛ للتخلُّص ممّا جاء به، وعاهدهم على قتله، فأتى إليه وهو يُصلّي، وأخذ يراقبه من بعيد، وعندما سجد، ووضع جبهته على الأرض، أخذ أبو جهل حجراً يُحاول أن يرميَه عليه، إلّا أنّ الله منعَ نبيّه ﷺ من غدره، ونجّاه من شرّه. وكذلك ما تعرض له ﷺ من إيذاء أبي لهب وزوجه أم جميل لعنهما الله. وقد عقد كبار المشركين اجتماعاً في دار الندوة ليتشاوروا فيما بينهم بشأن الرسول ﷺ، وكيفيّة التخلُّص منه. وهناك الكثير من محاولات القتل والتكذيب وكذلك أمر مقاطعته وحصاره في شعاب مكة لثلاث سنين.
كل ذلك لأنهم علموا أن النبي ﷺ جاء بدين جديد، ويسعى لإظهاره على كل الأديان، فكانت كلها محاولات لاغتيال هذا الدين في مهده قبل أن يظهر، هذه المحاولات كلها لم تثن النبي ﷺ عن تبليغ الإسلام وإظهاره، وحاشاه أن يستجيب لهم مهما عملوا، لأنه ﷺ اتخذ إظهار هذا الدين قضية مصيرية له يموت من أجلها ولا يتنازل عنها أبداً، وأن يسود الإسلام وحده دون سواه. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
جاء في سيرة ابن إسحاق أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله ﷺ، فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق؛ قال: فظن رسول الله ﷺ أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، قال: فقال ﷺ: «يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ».
ولم يتوقف النبي ﷺ عن الدعوة أبدا حتى أظهر الله هذا الدين بنصرة أهل القوة والمنعة من أهل يثرب. وها هو حزب التحرير يقتدي بسيرته ﷺ ويقتدي به، فيحدد قضيته المصيرية وهي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وإظهار الإسلام على الدين كله.
وبناء على استقراء الحزب للسيرة النبوية، فقد حدد طريقة سيره حتى يتم له إظهار دين الله بإقامة الخلافة بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكون الكتلة الحزبية.
الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتتخذ الإسلام قضية لها، ولكي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.
الثالثة: مرحلة طلب النصرة من أهل القوة والمنعة لاستلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقا عاما شاملا.
وها هم شبابه يعملون بكل جد واجتهاد واصلين ليلهم بنهارهم ويسعون سعيا حثيثا باذلين في سبيل ذلك الأنفس والأموال والأوقات واضعين قضيتهم المصيرية نصب أعينهم، لا يكلون ولا يملون من دعوة الناس لتبنيها والعمل لها، ويواجهون بكل حزم من يحول بينهم وبينها، وقد لاقى شباب الحزب ما لاقوه من أذى وسجن واعتقال وذاقوا صنوف العذاب على يد الظلمة حتى استشهد عدد كبير منهم داخل السجون وأقبية التحقيق وخارجها. ولم يثن ذلك الحزب عن قضيته المصيرية قيد أنملة، بل زاده قوة وعزيمة وإيمانا بأنه يسير على خطا النبي الكريم ﷺ بقيادة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله وأيده بنصر من عنده، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إن حزب التحرير يدعو كافة المسلمين للانخراط معه في العمل لتحقيق قضيتهم المصيرية حتى ينبلج نور الإسلام ويكون نظامه هو الظاهر والمهيمن على الأنظمة كلها، وهذا لا يكون إلا بالعمل الحثيث والجاد بأقصى طاقة وسرعة لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فلا يمكن أن يكون الإسلام ظاهراً على كل الأديان والمبادئ والمعتقدات إلا بالخلافة التي تطبقه وتحمله إلى العالم رسالة خير ورحمة بالدعوة والجهاد.
بقلم: عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع