لقد بات واضحاً الوضع البائس الذي يعيشه السودان عبر الحكومات المتعاقبة، وسواءً أكانت مدنية أم عسكرية، أو بين منتخبة أو انتقالية، فكل هذه الحكومات تستند إلى أساس واحد وإن اختلفت الأشكال والوجوه، وهذا الأساس هو أس الداء، وسبب البلاء، لأنه أساس مبني على أهواء الرجال، فهي أهواء متنازعة متشاكسة متصارعة.
والأصل أن يقوم الحكم على فكرة صحيحة، تقوم على مبدأ مقطوع بصدقه وصحة معالجاته حتى تستقيم الحياة، والسواد الأعظم من أهل السودان مسلمون، فكان من الطبيعي أن تقوم فكرة الحكم والسياسة على العقيدة الإسلامية، التي تنبثق عنها أحكام لمعالجة أنظمة الحياة، فهي وحدها التي تصلح حياة الناس، لأنها من لدن حكيم عليم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
وقد قضى الإسلام أن يكون الحكم بما أنزل الله على رسوله ﷺ، يقول سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ وقد طبق الرسول ﷺ الحكم بالإسلام عملياً في حياته، وبيّن أن أمر الحكم من بعده سيكون خلافة، قال عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، رواه البخاري.
والخليفة لا يشرع على هواه، ولا يعمل بما يشرعه البشر، وإنما هو ملزم بأحكام الإسلام، وهو يبايَع من الأمة بيعة شرعية لينوب عنها في تطبيق الشرع، لذلك لن يكون هنالك صراع على السلطة، لأن هذا الحق هو للأمة تعطيه بالرضا والاختيار لمن تراه أهلاً لقيادتها بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وبذا تنتفي مسألة الصراعات حول الصلاحيات، ومن يصدر القرار، ومن له حق إصداره، ففي الإسلام السيادة للشرع لا للشعب، فالحاكم والمحكومون ملزمون جميعا بشرع الله. وحق اختيار الحاكم؛ وهو خليفة المسلمين هو للأمة، والخليفة هو الذي يتبنى الأحكام باجتهاده، أو أخذا باجتهاد غيره، وهو يرعى شئون الناس بالعدل والقسطاس، ويسعى لإيجاد حياة كريمة في طاعة الله لكل أفراد الرعية.
أما الناحية الاقتصادية فهي أيضاً أحكام شرعية تعالج مسألة الاقتصاد، فالنظام الاقتصادي في الإسلام يضمن إشباع الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن لكل فرد من أفراد الرعية، وتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية بقدر المستطاع. كما يضمن الحاجات الأساسية من تعليم وتطبيب وأمن، لأن الحاكم في الإسلام راعٍ وليس جابياً، يقول ﷺ: «فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فهو يسهل للزراع أمر الزراعة، فلا جبايات ولا رسوم، بل يعينهم على الزراعة بكل ما تملك الدولة، وقل مثل ذلك في التجارة والصناعة، فلا جبايات ولا جمارك، ولا غيرها، كما تمنع الدولة الاحتكار، والغش، والمعاملات الربوية، فتستقيم حياة الناس، فلن يبقى مع هذه المعالجات فقير يتسول الناس، وقد طبق الخلفاء الراشدون، ومن جاءوا من بعدهم هذه الأحكام حتى لم يجدوا في عهد عمر بن عبد العزيز فقيراً ليعطوه من مال الزكاة، فأمر بأن ينثروا القمح على سفوح الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين!
أما الناحية الأمنية، فهي مسئولية الدولة، فلا تسمح بوجود مسلحين غير قوة واحدة هي الجيش، تكون منه قوة تدرب تدريباً خاصاً تقوم بعمل الأمن الداخلي أي الشرطة، وتطبق الدولة الحدود الشرعية على الذين يخالفون أحكام الإسلام، فيعم المجتمع الأمن والطمأنينة، كما أنه لن يكون هناك مسوغ لحمل السلاح في وجه الدولة من أجل المطالب، بل ستكون الخدمات في الأقاليم مثلها مثل العاصمة إن لم تكن أفضل منها، وبالتالي فمن يريد أن يتمرد لن يجد حاضنة تحتضنه. وبالجملة فإن تطبيق أحكام الإسلام في كل مناحي الحياة، هو الضمانة للعيش الكريم، يقول الله عز وجل: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.
ونظام الخلافة ليس هو النظام الأمثل فحسب، بل هو فرض على الأمة أن توجده في أرض الواقع، لأن الحكم بالإسلام الذي فرضه رب العزة سبحانه فقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، هذا الحكم لا يمكن أن يوجد إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بشر بها الحبيب المصطفى ﷺ، أنها ستكون بعد هذا الملك الجبري الذي نعيش آخر أيامه بمشيئة الله، يقول ﷺ: «... ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
فكل مسلم ملزم بأن يعمل مع المخلصين من أبناء هذه الأمة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإلا كان آثماً، لقول النبي ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع