أورد موقع البوابة نيوز في 19/10/2021 أنه بحسب قناة "إسرائيل 24"، فإن تل أبيب باتت تملك علاقات مع 46 دولة، من أصل 54، ومن بينها 11 دولة تملك تل أبيب فيها سفارات مثل، رواندا، وجنوب أفريقيا، وكينيا، ونيجيريا، والكاميرون، وأنجولا، وإثيوبيا، وإريتريا، وغانا، وساحل العاج، والسنغال. كما تمتلك 15 دولة أفريقية سفارات في تل أبيب.
ووفقا للإعلام العبري فإن العديد من قادة جيش الاحتلال، باتوا يسافرون بحرية إلى دول عديدة لتدريب جيوش تلك الدول، وعلى رأسها إثيوبيا وزامبيا وساحل العاج. ويصف إعلام يهود هذا التعاون العسكري باسم الدبلوماسية العسكرية، خصوصاً أن التعاون بات يشمل تعيين ملحقين عسكريين يهود دائمين بدول أفريقية. بالإضافة إلى أن أغلب أسلحة الدول الأفريقية هي أسلحة من كيان يهود، خاصة دول مثل رواندا وجنوب السودان والكونغو، حيث تكثر الحروب الأهلية وعمليات القتل الجماعي في تلك البلدان، وبحسب تقارير لصحيفة "هآرتس" العبرية فقد باع كيان يهود لأفريقيا ما قيمته 170 مليون دولار من الأسلحة، ويزداد ذلك الرقم بنسبة 2.5% سنوياً.
وفي 22 تموز/يوليو 2021، أعلنت وزارة خارجية يهود أن سفيرها لدى إثيوبيا، أدماسو الالي، قدم أوراق اعتماده عضوا مراقبا لدى الاتحاد الأفريقي. وبذكر إثيوبيا لا يفوتنا تحرك هذا الكيان وبالأخص في إثيوبيا باعتبار وجود سد النهضة سد الألفية على أراضيها ونسبة لتحكمها في مياه النيل، فإن مسألة تأمين المياه لمستوطنات يهود كانت حاجة أساسية بالنسبة لـكيان يهود. وقد أظهرت دراسات عديدة خلال العقود الأخيرة، أن كيان يهود يمر بأزمة يعتبرها خبراؤه خطرة جداً بما يخص الثروة المائية، تهدد اقتصاده بصورة لم يسبق لها مثيل.
وذكر إعلام يهود في السنوات الأخيرة أن الكثير من بحيرات فلسطين المحتلة وأحواضها النهرية والمياه الجوفية وصلت إلى أدنى المستويات التي لم يسبق لها مثيل منذ 100 عام، حيث اقتربت بحيرة طبريا بشكل خطير من "الخط الأسود"، وهو المستوى الذي يقع تحت أنابيب السحب من مضخات المياه التي ترسل مياه البحيرة إلى البلدات المجاورة.
وفي دراسات لكيان يهود يظهر أن تحسين مستوى العيش وبناء المستوطنات يحتّم تأمين زيادة في المياه بمقدار 600 مليون متر مكعب كل عام. فإذا تعثَّر الحصول على ذلك فيكون من الضروري تأمين ثلثه على حساب المشاريع الزراعية، ما يؤدي إلى أزمة اقتصادية بغض النظر عن الأضرار التي تحصل بفعل برنامج "التوزيع السكاني".
كل تلك العوامل، تدفع كيان يهود إلى الوجود بشكل مباشر في مسألة سد النهضة المرتبطة بنهر النيل، وذلك من أجل فرض وجوده السياسي والأمني الذي سيخوله في مرحلة لاحقة إعادة إحياء المشاريع الهادفة لإيصال مياه النيل إلى المستوطنات، نظراً لخطورة ما يعانيه حالياً فيما يخص أمنه المائي، في ظلّ رغبته المتزايدة في التوسع واستقدام المزيد من المستوطنين.
ويذكر في هذا السياق، أن نقل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة، كان من أهم المشاريع المطروحة في المباحثات المتعددة الأطراف، التي عقدت في فينّا عام 1992، حيث تمسك المفاوضون اليهود بعدم التنازل عن ذلك، تحت ذريعة حاجة كيانهم إلى المياه في المستقبل ومن ضمنها مياه النيل. أحد المفاوضين اليهود وهو دان سالازفسكي، قالها صراحة "إذا كان أحد يقصد السلام، فينبغي ألا يجادل بشأن المياه".
ويبرز البعد الجيوسياسي لكيان يهود في مسألة سد النهضة من خلال أصل الفكرة، التي تعود إلى حقبة الستينات، باعتبار أن السد كان نتيجة دراسة قامت بها الإدارة الأمريكية لصالح يهود، وذلك بعد توجه مصر برئاسة جمال عبد الناصر، إلى بناء السد العالي. في تلك الفترة، قام مكتب الاستصلاح الزراعي الأمريكي بدراسات عدة بين عامي 1956-1964، قبل أن يحدد 26 موقعاً لإنشاء السدود في إثيوبيا أهمها، 4 سدود على النيل الأزرق الرئيسي، وهي: "كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد الحدود (النهضة)"، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية التي سيتم استصلاحها بعد إنشاء السدود. وجاءت الدراسات الأمريكية إثر الاتفاقية الرسمية التي وقعتها واشنطن مع أديس أبابا عام 1957، رافق ذلك رفض إثيوبي لعرض عبد الناصر بتشكيل هيئة فنية مشتركة لدول نهر النيل.
ويسعى كيان يهود إلى جعل إثيوبيا ممراً له باتجاه أفريقيا، ومنفذاً استراتيجياً يخوله فتح قنوات سياسية وأمنية وعسكرية في القرن الأفريقي تكون داعماً في صراعه المستمر في المنطقة من خلال تعاونه مع دول إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، وقد تعزز ذلك من خلال التطورات في منطقة البحر الأحمر ولا سيما اليمن.
وقد صرح رئيس حكومة يهود نتنياهو، أمام البرلمان الإثيوبي في تموز/يوليو عام 2016 وذلك خلال زيارته إليها قائلا "سندعم إثيوبيا تكنولوجياً لتستفيد من مواردها المائية"، فكلام نتنياهو اعتبر دعماً واضحاً لإثيوبيا في مسألة نزاعها مع مصر بما يخص سد النهضة، لا سيما وأنه تزامن مع افتتاح إثيوبيا المرحلة الأولى من السد على مياه النيل الأزرق في الشهر ذاته لزيارته. وتتالت تصريحات كيان يهود الداعمة لإثيوبيا، حيث أعلنت نائبة المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة خارجيته آينات شيلين، في كانون الأول/ديسمبر عام 2019، عن استعداد تل أبيب "لتقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه" مع أديس ابابا. سبق ذلك، إعلان سفير يهود لدى إثيوبيا رافائيل موراف، أن كيانه يعمل على إدخال نظام الري الحديث في إثيوبيا.
وإضافة إلى الدعم السياسي، كشف موقع ديبكا العبري في تموز/يوليو عام 2019 أن كيان يهود أكمل نشر منظومة صواريخه "Spyder-MR" حول سد النهضة. ورغم نفي كيان يهود لتلك المعلومات، فإن السفير الإثيوبي السابق لديه هيلاوي يوسف، تحدث عن استحواذ إحدى شركاتهم على عقود إدارة محطات الكهرباء في إثيوبيا بما فيها محطة سد النهضة. وأكد يوسف أن كيان يهود لديه 240 مستثمراً يعملون في إثيوبيا بمجالات الري والكهرباء والمياه، فضلاً عن تنفيذ مشروعات ري ضخمة من خلال المياه الإثيوبية بعد إتمام بناء السد، بالتوازي مع تمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الري.
وتشير العديد من المعطيات إلى أن آلية التفاوض التي تتبعها إثيوبيا مع مصر، وضع أسسها فريق تفاوضي في خارجية يهود ومنهم وزير الخارجية الأسبق شاؤول موفاز، وديفيد كمحي وهو وكيل سابق في الموساد. كما قامت حكومة يهود بافتتاح اكتتاب شعبي في البنك المركزي لجمع التبرعات الموجهة إلى السندات والأذون لخدمة مشروع سد النهضة، وصولاً إلى قيام الحكومة الإثيوبية باستقدام العديد من الخبراء والفنيين اليهود للعمل في مراحل التجريب والتنفيذ طوال المرحلة الثانية. في وقتٍ كشف فيه وكيل وزارة الري السودانية الأسبق حيدر يوسف، عن وجود طابق كامل في وزارة المياه الإثيوبية مخصص لخبراء المياه اليهود.
وأما أطماع كيان يهود في السودان فهي واضحة جلية من خلال الزيارات المكوكية التي يقوم بها الطرفان وآخرها زيارة وزير الخارجية إيلي كوهين إلى السودان، حيث استقبله رئيس مجلس السيادة وصافح تلك الأيدي الملطخة بدماء أهل فلسطين.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
يتبع...
رأيك في الموضوع