استضافت مدينة مونترو السويسرية حوارا غير رسمي بين قوى سودانية بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية، ومنظمة برو ميدييشن الفرنسية، بمشاركة غالب قيادات أحزاب تحالف القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، وفصائل من تحالف الكتلة الديمقراطية، وشخصيات مدنية، بينما قاطعته حركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وتحالف الحراك الوطني برئاسة التجاني السيسي، والمؤتمر الشعبي برئاسة الأمين محمود. واتفق المشاركون، حسب الوثيقة التي أصدروها، على مبادئ تهدف إلى حل الأزمة في البلاد، وأهمية تحقيق "وقف نار فوري في السودان لأغراض إنسانية وخلق بيئة ملائمة لإطلاق عملية سياسية"، كما أكدوا على ضرورة وجود "جيش موحد ومهني بعيد عن التأثيرات السياسية والحزبية". وأكدت الوثيقة على وحدة السودان وإقامة دولة مدنية ديمقراطية "محايدة" تكون على المسافة نفسها من الأديان والهويات والثقافات، كما دعت إلى إقامة نظام حكم فيدرالي يعترف بحق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية. وطالب المشاركون بعملية سلام شاملة وموحدة ومتزامنة تخاطب المسارات الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية وغيرها، وتشكيل هيكل تنسيقي لضمان انسجام وتناسق وفعالية جميع المسارات المختلفة. وقالت الوثيقة "يجب أن يفضي الحوار السوداني-السوداني إلى عملية سياسية تخاطب جذور الأزمة الوطنية، وأن يكون بإرادة سودانية ويمكن أن تتولى الجهات الإقليمية والدولية دور المسهل والميسّر". كما اقترحت وثيقة مونترو عملية متكاملة للعدالة والعدالة الانتقالية لضمان المساءلة عن الجرائم التي وقعت منذ 30/6/1989، بما في ذلك تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، والجرائم المرتكبة في حرب 15/4/2023، وتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير وإنهاء حالة اختطاف الدولة.
هذه هي محصلة ما توصل إليه المؤتمرون لمواجهة الأزمة السياسية والإنسانية في السودان. فهل هذه الوثيقة هي العلاج لأزمة السودان التي بلغت حصيلتها حتى الآن بحسب تقارير المنظمات: "25.6 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، و17 مليون طفل، 80% خارج المدرسة، و14.7 مليوناً بحاجة لمساعدات صحية، و13 مليون طفل يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ومجاعة مؤكدة في مخيم زمزم في شمال دارفور، وأكثر من نصف المشردين من النساء. و4 مليون امرأة وفتاة يواجهن خطر العنف الجنسي، و3.1 مليون سوداني/ة أصبحوا طالبي لجوء ولاجئين، و2 مليون حالة إصابة بالملاريا منذ بداية 2023 وحتى 31/10/2024م من 15 ولاية، و209 حالة وفاة، ومليون امرأة حامل ومرضعة يعانين من سوء التغذية الحاد، وألف قتيل في ولاية الخرطوم خلال الـ14 شهرا الأولى، و33 ألف إصابة للمدنيين، و113 مرفقاً صحياً تعرض للهجوم، و70% من المرافق الصحية لا تعمل، و14 منطقة معرضة لشبح المجاعة (دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والجزيرة وبعض النقاط الساخنة في الخرطوم)".
من المعلوم أن أمريكا هي التي تسيطر على كل الكروت الرابحة في هذه الحرب، التي أطلقتها في نيسان/أبريل من العام الماضي من أجل الالتفاف على الاتفاق الإطاري الذي وضع جماعتها في مأزق كبير، فافتعل رجالها هذه الحرب لإقصاء عملاء بريطانيا من العملية السياسية بالكامل، بحيث يصبح عملاء بريطانيا لا وجود لهم داخلياً، وبالتالي لا وجود لنفوذها، فإذا لم يقوموا بنشاط خارجي فسوف يصبحون في ذمة التاريخ، لذلك تراهم ينشغلون بإقامة المؤتمرات، محاولة منهم لوقف الحرب التي أفشلت مخططهم للوصول إلى كرسي الحكم لصالح أسيادهم، وقد نجحوا، إلى حد ما، في الظهور في المشهد السياسي، لكن جل أعمالهم تبوء بالفشل.
وقبل هذا المؤتمر، عقدت ثلاث جلسات حوار سابقة، وانفضّت في سويسرا جلسة رابعة رتّبتها منظمة فرنسية لتقريب مواقف الفرقاء السودانيين بشأن حوار سوداني، لإنهاء الأزمة المستمرة في بلادهم، في حين يرى مراقبون أنها حققت تقدما محدودا بمشاركة قوى متنافرة، لكن الوثيقة التي صدرت عنها لم تحمل أي جديد في شأن وقف الحرب، وهم يعلمون يقيناً أنهم لا يملكون أي أداة لتنفيذ مخرجات هذه الوثيقة، فأمريكا هي المتسيدة على المشهد تماما وهي الفاعل الوحيد في هذه الأزمة السياسية، ولم تترك لهم حتى فتات مائدة السودان الدسمة، ولكنهم يأملون أن يكون لهم حضور إعلامي يكون مدخلا للحضور السياسي، ولو على مستوى المؤتمرات حتى لا يكونوا نسيا منسيا.
ومثال لذلك أيضا اجتماع عنتبي في العاصمة الأوغندية بقيادة عبد الله حمدوك والذي استمر من 3 إلى 6 كانون الأول/ديسمبر 2024م، وفي المقابل لم تكن أمريكا لتتفرج على ما يحدث، فها هي تتأهب لعقد مؤتمر عن طريق عملائها في مصر؛ ففي خبر أوردته سودان تربيون في 6/12/2024م أعلن بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، عزم القاهرة استضافة الجولة الثانية لمؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية الذي انعقدت جولته الأولى في تموز/يوليو الماضي. وقال عبد العاطي في حوار مع قناة القاهرة الإخبارية إن الجولة الثانية ستشارك فيها كافة الفصائل والقوى السياسية السودانية، وأن القاهرة ستقدم كل ما يسهم في إعادة الاستقرار للسودان ووقف الحرب وحقن دماء السودانيين.
إن ما تقوم به بريطانيا عبر عملائها، بعد أن افتعلت أمريكا هذه الحرب، ما هي إلا فرفرة مذبوح، وما تنادي به من وقف دائم للحرب، وغيرها، ليست هي حرصا على أرواح أهل السودان، فهي أكبر دولة دموية على مر التاريخ، وكذلك المناداة بدولة ديمقراطية مدنية وغيرها، فقد أصبحت أسطوانة مشروخة تردد في كل مؤتمراتهم واجتماعاتهم.
فالسؤال هو: إلى متى تظل بلادنا مطمعا للكافر المستعمر، ويظل أهل السودان كالريشة في مهب الريح بسبب حكامهم العملاء، الذين يأتمرون بأمر الكافر، فتستمر الحرب، وتزهق الأنفس، وتغتصب الحرائر وتنهب الأموال والممتلكات إرضاء لأسيادهم؟!
سيظل الحال هكذا ما لم يتحرك المسلمون لاقتلاع الأنظمة التي تقودهم إلى الهاوية، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تقطع الأيدي الآثمة، الطامعة في بلادنا. فإلى التلبس بهذا الفرض العظيم؛ تاج الفروض ندعوكم فأجيبوا أيها المسلمون.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع