الأحد 8/12/2024م سقط بشار أسد أحد أعتى طغاة العصر على أيدي الثوار والمجاهدين، رغم كل الدعم الذي قدمته أمريكا له على مدار 14 عاماً، مع التذكير بأن سقوط شخص الطاغية لا يعني سقوط نظامه حيث لم تتحقق جميع ثوابت الثورة المتمثلة بإسقاط النظام والتحرر من نفوذ دول الكفر وإقامة حكم الإسلام، في ظل سعي أمريكا وأدواتها الإقليمية لإفراغ الثورة من مضمونها ونسف تضحيات المجاهدين وإعادتنا إلى المربع الأول عبر تغييرات شكلية وإعادة فرض نظام علماني وطني جديد بمواصفات غربية ملتزمٍ بـ"الدولة المدنية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب وإشراك كافة شرائح المجتمع في الحكم" بمن فيهم أزلام النظام السابق ورجالاته، فالحذر الحذر! فالنظام لا يسقط بحق إلا بإقامة حكم الإسلام، مهما تبدلت الصور وإطاراتها.
أعداء الثورة وعلى رأسهم أمريكا يريدونها نقلاً سلساً للسلطة بما يشبه تسويةً بنكهة انتصار الثورة، وهم في مرحلة الذعر خوفاً من تفلت الأمور ووصول الصادقين إلى الحكم، ولا أدل على ذلك من استنفار أمريكا عبر وزير خارجتها بلينكن وجولاته المكوكية في المنطقة ولقاءاته واستنفاره لأدوات أمريكا للتباحث في ضبط الأمور خشية صحوة العملاق النائم، مع التذكير بالتنسيق السابق منذ بداية الثورة بين الجرذ الهارب بشار وبين كيان يهود في الكيد للثورة خوفاً من نتائجها وتناثر لظى حريقها. في سياق هذه الخشية، واستغلالاً للظروف، وبمباركة أمريكية خالصة، يمكننا فهم عربدة طيران كيان يهود وغطرسته واستمراره في تدمير البنى التحتية وصب حمم صواريخه الحاقدة على المواقع والثكنات العسكرية ومستودعات الأسلحة ومضادات الطيران والصواريخ بعيدة المدى، واستنفار مجلس الوزراء الأمني لكيان يهود واجتماعاته المتكررة غير الاعتيادية في وقت قصير على خلفية تطورات الأوضاع في سوريا.
فمنذ سقوط الطاغية بشار وقطعان كيان يهود تصول على أرض الشام تحتل مواقع جديدة فيها، وطائراته تعربد في سمائها، بغارات جوية حاقدة طالت عدداً من المدن والبلدات والمواقع العسكرية، حتى وصلت إلى مدينة دير الزور شرق سوريا، وقد تركزت هذه الهجمات على مستودعات الأسلحة، وكتائب الدفاع الجوي في المناطق الوسطى والجنوبية، ومراكز الأبحاث العلمية العسكرية، ومطارات عسكرية، بما في ذلك مطار المزة العسكري في ريف دمشق، وطال القصف المربع الأمني بالعاصمة حيث تدار برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية على حد وصف هيئة بث كيان يهود، ومواقع عسكرية في محيط العاصمة، ومواقع في محيط بلدة الكفر، ومطار خلخلة في السويداء وجبل قاسيون في قلب العاصمة وغارات على الفوج 16 شرقي دمشق، وعلى ثكنتين عسكريتين ومقر الفرقة الرابعة وكتيبة الرادار ومطار الضمير العسكري في ريف دمشق ومواقع عسكرية في ريفي طرطوس واللاذقية.
وبرر الكيان هذه الهجمات بأنها "تهدف إلى تعزيز أمنه ومنع وقوع الأسلحة المتقدمة، مثل الأسلحة الكيميائية، في أيدي (جماعات إرهابية)"!
وقد كشف جيش الكيان، الثلاثاء 10/12/2024م، عن "تنفيذه ضربات جوية ضد ما يقرب من 80% من القدرات العسكرية السورية. وقد وصل توغله في جنوب سوريا إلى نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وأظهرت خرائط سيطرته على قمة جبل الشيخ، وعدد من القرى والبلدات داخل المنطقة منزوعة السلاح، بعمق يصل إلى 18 كيلومترا داخل الأراضي السورية. وقالت إذاعة الكيان أن "350 مقاتلة هاجمت مواقع من دمشق إلى طرطوس، وأنه تم تدمير عشرات الطائرات والقواعد العسكرية وأنظمة الدفاع الجوي ومستودعات الأسلحة"، فيما حذر نتنياهو بالقول: "إذا سمح هذا النظام لإيران بإعادة ترسيخ وجودها في سوريا، أو سمح بنقل أسلحة إيرانية أو أي أسلحة أخرى إلى حزب الله أو إذا هاجمَنا، فسوف نرد بقوة، وسندفّعه ثمنا باهظاً، ما حلّ بالنظام السابق سيحل بهذا النظام".
فيما قال وزير جيش يهود، يسرائيل كاتس، إن صواريخ بحريتهم دمرت الأسطول الحربي السوري، مضيفاً أن قواتهم تتمركز في المنطقة العازلة بين سوريا وهضبة الجولان، وأنه أمر بإنشاء "منطقة دفاعية خالصة" في جنوب سوريا دون وجود دائم لكيانه "لمنع أي تهديد إرهابي لـ(إسرائيل)". وأكد نتنياهو، الذي أعلن في 8/12/2024م "انهيار اتفاق "فضّ الاشتباك" مع سوريا الموقع عام 1974، أن القسم الذي يحتله كيان يهود وضمه من هضبة الجولان السورية "سيظل (إسرائيليا) إلى الأبد"، مضيفاً أنه أصدر تعليمات لجيشه بالاستيلاء على المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع القيادية المجاورة لها، متبجحاً بالقول: "لن نسمح لأي قوة معادية بترسيخ نفسها على حدودنا"، متماهياً مع تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن أن لـ"(إسرائيل) الحق في الدفاع عن نفسها"، وليس بعيداً عن حث المبعوث الأممي إلى سوريا بيدرسون القوى الخارجية على "بذل الجهود لتجنب انهيار المؤسسات بعد سقوط أسد"!
نعم هذا هو كيان يهود يعربد، في غزة وسوريا، يمطرها بقذائفه وصواريخ طائراته، وسط دعم أمريكي لا محدود؛ وفي ظل غياب من يردعه ويكسر قرنه؛ إجرامٌ حاقد يستهدف كل الأسلحة الاستراتيجية في سوريا لتدميرها، خوفاً من وصولها إلى من يستخدمها ضده، وحتى تكون سوريا كسيرة الجناح لا تقوى على اجتثاثه أو حتى مجرد تهديده. إنهم يريدون سوريا المستقبل دولة ضعيفة وخانعة ذليلة، بلا سلاح لا تلوي على شيء، مع سعي الكيان المسخ للذهاب إلى مرحلة وضع خطوط حمراء جديدة للتفاوض عليها مستقبلاً. فالمهم عنده وعند الغرب أن تكون البلاد الإسلامية قليلة العدة والإعداد ومنزوعة من أي سلاح استراتيجي فعّال حتى تكون عاجزة عن إحداث أي تأثير فارق حقيقي في المعارك مع الكيان حال وصول فئة صادقة خارج الطوق الدولي للحكم.
نعم، طيران حاقد يقابله صمت أهل القبور ممن توسدوا أمر القيادة على أنقاض الطاغية أسد، إلا من التشكي لمجلس الأمن، مع إعلان طمأنة أن لا نية لأي حرب خارجية مستقبلا، وقد صرح الجولاني مؤخراً بالقول: "لسنا بصدد الخوض في صراع مع (إسرائيل)، وليست لدينا عداوات مع المجتمع الإيراني، وأعطينا الروس فرصة لإعادة النظر في علاقتهم مع الشعب السوري، ونتواصل مع سفارات غربية ونجري نقاشا مع بريطانيا لإعادة تمثيلها في دمشق"!
إن غطرسة يهود في غزة والشام وغيرهما، إضافة للهيمنة الدولية، لا يجدي معهما المداهنة ولا الملاينة ولا الاسترضاء، ولا الخضوع للشروط والطلبات والأوامر، ولا الخضوع للقوى الدولية، ولا إعطاء رسائل الطمأنة ولا الركون إلى الظالمين ولو شيئاً قليلاً، إنما لا بد من موقف مبدئي حازم نكون فيه مع الله فنتخذ الموقف الذي يرضيه سبحانه حتى يكون معنا ويكرمنا بأن تكون الأمة والحاضنة الشعبية معنا، وكلنا رأينا تفاعل الأمة ونبض الإسلام وروح الجهاد المتجذرة فيها وشوقها لنصرة غزة وتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وإننا نهيب بأحرار الثوار والمجاهدين الذين أسقطوا طاغية الشام بعد أن سطّروا أروع البطولات والملاحم، ألّا يسمحوا ببقايا نظامه ولا بدستوره، وألّا يرضوا عن حكم الإسلام بديلاً، كي لا يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، ندعوهم ليكون لهم موقفهم وتحركهم للدفع باتجاه إقامة دولة الإسلام، لنستحق رضا الله ومعيته ونكون بحق شاكرين لنعمة النصر التي أكرمنا بها، فحمدنا لله وشكرنا له يكون بتحكيم شرعه وإقامة دولته على أنقاض النظام العلماني المجرم البائد، حينها سيعلم كيان يهود ومن وراءه من كفار الأرض ومجرميها كيف يكون القتال والصيال، وحينها أيضاً نطبق بحق قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع