وقع عدد من الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي تدعم الافتراض بأن أمريكا تواصل استراتيجيتها لإطالة أمد الصراع فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
من الضروري التذكير بأن استمرار هذا الصراع في المرحلة النشطة يضعف جميع القوى الرئيسية الموجودة في قارة أوراسيا؛ أوروبا وروسيا والصين.
يتضح ضعف الدول الأوروبية وروسيا بسبب النفقات العسكرية الضخمة، فضلا عن انهيار العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا. أما بالنسبة للصين، فإن موقف روسيا غير المؤكد يجعل من المستحيل على الصين بناء تعاون اقتصادي فعال معها، ما يجبر الاقتصاد الصيني على الاختناق بدون موارد روسية.
وهنا من الضروري التذكير بالهجوم المضاد غير الناجح لأوكرانيا في صيف عام 2023. فقد كان السبب الرئيسي لفشل الهجوم المضاد هو عدم كفاية تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة المناسبة من الشركاء الغربيين، وخاصة أمريكا.
في مقابلة مع مجلة الإيكونوميست في 1/11/2023، ألمح القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية آنذاك فاليري زالوجني بكلمات دبلوماسية إلى عدم كفاية إمدادات الأسلحة من أمريكا، قائلا: "للخروج من هذا المأزق، نحتاج إلى شيء جديد، مثل البارود، الذي اخترعه الصينيون وما زلنا نقتل به بعضنا البعض". وحذر من أنه بدون ميزة كبيرة، تواجه أوكرانيا حرب خنادق طويلة الأمد يمكن أن ترهقها. وفي المقابلة، جادل بأن التأخير في تسليم الأسلحة الغربية، على الرغم من أنه مخيب للآمال، لم يكن السبب الرئيسي لمأزق أوكرانيا.
على ما يبدو، كانت عدم رغبة زالوجني في محاربة روسيا دون "اختراع البارود" هي التي أدت إلى إقالته من منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ففي 1/12/2023، في مقابلته مع وكالة أسوشيتد برس، صرح الرئيس الأوكراني زيلينسكي أيضا: "لم نتلق جميع الأسلحة التي أردناها، لا يمكنني أن أكون سعيدا بذلك، لكن لا يمكنني أيضا الشكوى كثيرا".
بعد عام تقريبا، في 17/11/2024، وبصفته سفيرا لأوكرانيا لدى بريطانيا، أدلى زالوجني بتصريح أكثر صراحة حول أسباب فشل الهجوم الأوكراني المضاد، قائلا إن الهجوم المضاد عام 2023 تحت قيادته لم ينجح لأن الغرب لم يقدم أسلحة كافية. وقال "نتيجة لذلك، نجد أنفسنا في حالة حرب طويلة الأمد. في رأيي الشخصي، لا أمل في الخروج من هذه الحرب الطويلة".
من هذا يمكننا القول بثقة إنه منذ صيف عام 2023، تعمل أمريكا على إطالة أمد الصراع فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا.
بعد ذلك، من كانون/ديسمبر 2023 إلى نهاية نيسان/أبريل 2024، بدأ نزاع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي الكونجرس الأمريكي بشأن تخصيص 60 مليار دولار لأوكرانيا. وعلى الرغم من وجود خلافات حقيقية بين الطرفين، تجدر الإشارة إلى أن كل هذه الخلافات تتناسب بشكل عضوي مع خطة أمريكا لإطالة أمد الصراع في أوكرانيا.
بشكل عام، تجدر الإشارة إلى أن أمريكا كانت تخلق وهم النصر لروسيا منذ الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022. ونتذكر جميعا تصريحات المحللين الأمريكيين والبريطانيين في الأيام الأولى من الحرب بأن كييف ستسقط في غضون 48 ساعة.
بعد ذلك، تداولت وسائل الإعلام، بما في ذلك الأوكرانية، معلومات تفيد بأن روسيا كانت قادرة على إغراق المدن الأوكرانية في الظلام بانقطاع التيار الكهربائي، ما دفع القوات الروسية إلى استخدام مخزونها الكامل من الصواريخ في شتاء 2022-2023.
بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني صيف عام 2023، غذت روسيا أحلاما بأن أوكرانيا ضعيفة وعلى وشك الانهيار، وأن الدعم الغربي، وخاصة الأمريكي غير مستقر، وأنه في أي يوم الآن، ستضطر أوكرانيا، تحت ضغط من أمريكا، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة مع روسيا. كان هذا هو الجو السائد في وسائل الإعلام العالمية والأوكرانية، منذ صيف عام 2024.
تماشت أوكرانيا مع هذه السياسة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، أدلى رئيسها زيلينسكي بتصريحات غامضة من أواخر ربيع 2024 حتى أواخر الصيف حول الحاجة إلى إنهاء المرحلة النشطة من الصراع، والتي فسرتها روسيا بلا شك على أنها رغبة أوكرانيا في بدء المفاوضات.
على ما يبدو، تم إجراء بعض الاتصالات السرية بين أوكرانيا وروسيا خلال أوائل إلى منتصف صيف عام 2024، لا سيما فيما يتعلق بوقف الأطراف المتحاربة الهجمات على منشآت البنية التحتية.
لهذا السبب، عندما استولت القوات الأوكرانية في 6/08/2024 على أراض كبيرة من روسيا في منطقة كورسك، اشتكى الرئيس الروسي بوتين من أنه بعد إجراءات أوكرانيا هذه، لا يمكن الحديث عن أي مفاوضات.
تهدف هذه السياسة الأمريكية إلى إبقاء روسيا في حالة "وهم النصر" في حربها مع أوكرانيا، ما سيبقي القيادة الروسية في حالة ترقب للمفاوضات، والتي بدورها ستدفع روسيا إلى عمل عسكري بأقصى كثافة، من أجل تعزيز موقفها التفاوضي. مما لا شك فيه أن روسيا تدرك أنه كلما زادت الأراضي الأوكرانية التي يمكنها الاستيلاء عليها قبل بدء المفاوضات، ستبقى المزيد من هذه الأراضي تحت سيطرتها، لأن المفاوضات ستعني حتما تجميد الصراع على طول خط المواجهة.
تؤدي هذه الاستراتيجية إلى قيام روسيا بإلقاء جميع مواردها في طاحونة الحرب، كونها في هجوم مستمر في ساحة المعركة، معتقدة أن الحرب على وشك الانتهاء. وبحسب فهم أمريكا، سيؤدي هذا عاجلا أم آجلا إلى إضعاف روسيا لدرجة أنها ستكون على استعداد للخضوع لإرادتها في كل من الأزمة الأوكرانية وفي الشؤون الدولية الأخرى، وخاصة في مسألة المواجهة المشتركة للصين، التي أثارت قوتها المتنامية قلق أمريكا بشكل خاص على مدى العقد الماضي.
أما أوكرانيا فلديها أراض شاسعة تسمح لها بتبادلها مقابل إضعاف العدو، حيث من المعروف أن الخسائر في الجنود والموارد أثناء الهجوم أكبر بعدة مرات مما تكون عليه أثناء الهجوم الدفاعي.
هذا ما تبدو عليه الخطة الأمريكية لهذا الصراع بشكل عام.
إن روسيا الغبية سياسيا وقصيرة النظر وعديمة المبدأ، التي اعتادت على حل جميع مشاكل سياستها الخارجية فقط بقوة السلاح، غير قادرة على مقاومة هذه السياسة الماهرة لأمريكا، وبالتالي ليس من المتوقع أن تكون قادرة على الهروب من الفخ الذي سقطت فيه في أوكرانيا.
وبالتالي، في الوقت الحالي، لا يتوقع خفض التصعيد بشكل كبير. نعم، من الممكن أن يتم إعلان نوع من وقف إطلاق النار لفترة قصيرة، والذي سيستمر بمزيد من التصعيد، ولكن حتى هذا غير مرجح.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا
رأيك في الموضوع