برعاية كينية، وتحت إشراف الرئيس وليام روتو، وقعت حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور، إعلان نيروبي مع رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، شمال، عبد العزيز آدم الحلو، من جانب، ورئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بصفته الشخصية من جانب آخر.
ويهدف هذا الإعلان إلى إنهاء الحرب، وتأسيس الدولة على أسس جديدة، أهمها الفصل بين الدين والدولة، وحق تقرير المصير، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ودعوة الأطراف المتحاربة، الجيش، وقوات الدعم السريع بالعودة لمنبر جدة، حسب ما أوردته صحيفة العرب الصادرة الأحد ١٩/٠٥/٢٠٢٤م.
ووقع حمدوك على نسختين من الاتفاق مع الحلو وعبد الواحد، كل على حدة، بحضور الرئيس الكيني وليام روتو.
كما نص إعلان نيروبي، على العمل المشترك لمواجهة المخاطر التي تهدد السودان، وإيجاد الحلول المستدامة، وضمان سيادة السودان على أرضه وموارده ووحدته القائمة على أساس تطوعي لشعوبه، والحكم الديمقراطي اللا مركزي. ونادى بتأسيس دولة علمانية تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات وتعترف بالتنوع، فضلا عن تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة وفقا للمعايير المتوافق عليها دولياً. وأقر الإعلان على حق (الشعوب) السودانية في تقرير مصيرها في حال لم تُضمن هذه المبادئ في الدستور الدائم، والتي شملت أيضاً تأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الاتفاق طالب بتأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة، تفضي إلى جيش مهني وقومي واحد يعمل وفق عقيدة عسكرية تشكل من كل السودانيين وتعبر عنهم، وفقا لمعيار التعداد السكاني وينأى عن العمل السياسي والاقتصادي.
فمنذ اشتعال هذه الحرب يسعى حمدوك ومن ورائه بريطانيا لإيقافها، فقد دعا الإعلان الجيش، وقوات الدعم السريع، لوقف إطلاق النار فوراً تمهيداً لوقف دائم للحرب، وهو ما تسعى إليه كل الدول الأوروبية عبر أدواتها في الإقليم.
وناشد اتفاق نيروبي الأطراف المتحاربة بإزالة المعوقات أمام العون الإنساني والسماح بمرور الإغاثة عبر دول الجوار وخطوط المواجهة لضمان وصولها دون عوائق.
وتواثقت الأطراف الموقعة على إعلان نيروبي على معالجة ما وصفته بتركة الانتهاكات الإنسانية من خلال العدالة والمحاسبة التاريخية. حيث تسعى بريطانيا، عبر العملاء، بالطريق القانوني لزعزعة قادة الجيش، وقادة الدعم السريع. وناشد قادة إعلان نيروبي المجتمعين الإقليمي والدولي لممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة، ومضاعفة الجهود لوقف عاجل للحرب.
وعلق رئيس كينيا وليام روتو، على توقيع حمدوك والحلو وعبد الواحد على إعلان نيروبي، قائلا: "إن بلاده لا تزال شريكا رئيسيا في الجهود الرامية لتحقيق السلام الدائم في السودان"، وشدد على ضرورة تشكيل حكومة مدنية، مشيداً بالتنظيمات التي وقعت على إعلان نيروبي لتكون جزءاً من عملية السلام في السودان.
ويسعى الرئيس الكيني، عميل بريطانيا المخضرم، للجمع بين العسكر من جهة، وجماعة حمدوك من جهة أخرى لكنه فشل حتى الآن في تحقيقه، لتعنت البرهان قائد الجيش، ورفضه الالتقاء به.
أما تضمين العلمانية في اتفاق نيروبي، فليس بالأمر الجديد وقد كان ضمن اتفاق البرهان والحلو في أواخر آذار/مارس عام 2021م، حيث اتفق رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان على فصل الدين عن الدولة، وقبله كان متضمنا في اتفاق الميرغني وقرنق، وفي مؤتمر القضايا المصيرية، وفي اتفاق ميشاكوس ونيفاشا، والآن في إعلان نيروبي، باعتباره هدفا استراتيجيا لصالح الغرب المستعمر، ينفذه العملاء.
فهذا الهدف استراتيجي وهو لضمان عدم عودة أحكام الإسلام لواقع الحياة، ومحو ما تبقى من أحكام الإسلام، كالزواج والطلاق والميراث وغيرها، وما هم ببالغيه بإذن الله.
فقادة الغرب من السياسيين والمفكرين والمستشرقين أصبحت عودة الإسلام عندهم هاجسا يؤرق منامهم فأصبحوا يحذرون من الإسلام وعودته. فتصريحاتهم الكثيرة تعكس مدى رعب الغرب الكافر من الإسلام والخلافة ومن عودتها، فنار حقدهم لم تنطفئ عبر التاريخ بل تزداد اشتعالاً كلما أحسوا بدنو عودتها.
فقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون: "إن دورنا المنوط بنا هو تأخير خروج المارد الإسلامي من قمقمه". أما فيليب جوزيف سالازار نائب وزير خارجية فرنسي سابق ومفكر وسياسي فقد قال محذراً الغرب من الإسلام: "إن العالم الإسلامي عملاق مقيد لم يكتشف نفسه بعد، لذا يجب أن نعطيه ما يشاء ونُقوّي في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي حتى لا ينهض، ولكن إذا عجزنا فقد أصبح العالم الغربي في خطر داهم وفقدنا وظيفتنا الحضارية كقائدة للعالم". وأما السيناتور الجمهوري الأمريكي بات بوكانان فيقول: "مسألة عودة الإسلام كنظام حياة مجرد وقت لا أكثر... الحقيقة أن أمريكا وجيوشها وترساناتها لا تستطيع مقاومة الحضارة القادمة لأن ثبات الإسلام وقدرته على الاحتمال مبهرة حقا... فقد تمكن من الصمود خلال قرنين من الحروب المتلاحقة بل تصدى للشيوعية بسهولة عجيبة... وما نراه الآن أنه يقاتل أمريكا آخر قوة عالمية كبرى".
ولا تقل فكرة حق تقرير المصير خطورة عن العلمانية، فهي مشروع يهدف لتمزيق السودان إلى دويلات وتمزيق الممزق.
إن تقرير مصير الشعوب، وفكرة الفيدرالية، والحكم الذاتي، من منظور الرأسماليين، هي لتقسيم البلاد، وإضعافها، ونهب ثرواتها، وهي خيانة سياسية، وجريمة كبرى، وعار في جبين الساعين لها، فكان لا بد من مبررات، وأساطيل من الأكاذيب، ليتم قبولها، ويسهل ابتلاعها، وهضمها، وتمريرها.
إن دعاوى حق تقرير المصير، وغيرها، وجعلها مناطقية، هو انصراف عن معالجة جذور المشكلة، والتفاف حول المظالم التي وقعت على الناس في هذه المناطق وطمسها، لتمرير مخططات عدو الأمة، والقضاء على وحدتها، ومنع مكامن القوة فيها. فقد كانت فكرة تقرير المصير مقدمة لانفصال جنوب السودان الذي أدى إلى كارثة تعيش آثارها الدولتان؛ فقدْ فقَد السودان أكثر من 80% من البترول، وإلى الآن يعيش جنوب السودان فقرا مدقعا.
ومسألة حق تقرير المصير تتعلق بالشعوب المستعمَرة، وليست الشعوب التي تعيش في وطن واحد، فالأمر هنا غير وارد. والذي يراد هنا هو حصول هذه الشعوب على حقوقها بالعدل في الدولة. وإذا حصل ظلم وتفضيل بين الرعية، فالحل هو رد الحاكم عن الظلم وإيصال الحقوق إلى أصحابها والعدل بين الناس، وليس بالانفصال وتمزيق البلاد وتقطيع أوصالها.
ومن المعلوم أن أوروبا وعملاءها من خلال مثل هذه الأعمال يريدون الظهور على سطح العملية السياسية التي أُبعدوا منها بقوة عبر أعمال سياسية من أمريكا جعلتهم خارج الحلبة السياسية، وبعد أن أبعدت أمريكا قوى "تقدم" عن المشهد السياسي لم يبق لها إلا القليل وهو إبعاد وإبطال اتفاق جوبا، وهي الآن على مشارف القضاء عليه.
إن تلك الأدوات التي يحركها الغرب الكافر لا علاقة لها برعاية مصالح الناس، بل إنها تسعى مع الغرب الكافر وتنفذ مخططاته بتفان كبير، حتى يرضى عنهم، فهم في الخيانة سواء مدنيين كانوا أو عسكريين.
إن من يقطع دابر هؤلاء المجرمين ويفسد مخططاتهم التي تحاك لهذه الأمة، هي دولة مبدئية تقف سدا منيعا في وجه المؤامرات، بل وتقطع أياديهم الآثمة عن بلاد المسلمين؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع