تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الأمور المتعلقة بتوصيف الأوضاع السياسية المتعلقة بفلسطين والمحيط حولها، والنظرة عند الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا لهذه الأوضاع والأحداث، ونكمل في هذه الحلقة ما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة:
7- الإدارة الأمريكية ما زالت تتمسك بفكرة حل الدولتين، ولكن بشكل يتماشى مع طبيعة التغيرات على الأرض، خاصة وجود المستوطنات وقضية القدس، إلا أن هذه الفكرة لم تلق القبول عند كيان يهود، ولم توات الظروف السياسية لفرضها، خاصة أن مشاكل أمريكا العالمية والإقليمية كثيرة ومتعددة. وقد صرح أكثر من مسئول أمريكي أن فكرة حل الدولتين ما زالت قائمة لم تتغير؛ فقد صرح وزير خارجية أمريكا بلينكن في 5 تموز/يوليو 2023 أمام اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة (إيباك) قائلا: "كما قال الرئيس في رحلته إلى (إسرائيل) والضفة الغربية الصيف الماضي، فإن حل الدولتين - على أساس خطوط 1967، مع مقايضات متفق عليها - يظل أفضل طريقة لتحقيق هدفنا المتمثل في أن يعيش (الإسرائيليون) والفلسطينيون جنباً إلى جنب في السلام، مع قدرة كل فرد على التمتع بتدابير الأمن والحرية والعدالة، والفرص والكرامة على قدم المساواة... نحن نعلم اليوم أن احتمالات حل الدولتين يمكن أن تبدو بعيدة، لكننا ملتزمون بالعمل مع الأطراف للحفاظ على أفق الأمل على المدى القريب، يعني هذا وقف التصعيد، والامتناع عن الإجراءات الأحادية الجانب التي تزيد من التوترات، وتقوية التعاون الأمني لمواجهة العنف، وتحسين الحياة اليومية للشعب الفلسطيني".
8- حكومات يهود تغذي موضوع انفصال غزة عن الضفة، وتسعى لترسيخ الانفصال من أجل الدعاية العالمية أنه لا يوجد من يمثل الشعب الفلسطيني بشكل قادر على الحلول، وعقد الاتفاقات، وفي الوقت نفسه تعتبر حماس منظمة إرهابية، وشجعت أمريكا ومنظمة إيباك اليهودية على هذا الأمر. فإمكانية انضواء حماس تحت لواء السلطة يجب أن يكون بعد تخلي حماس عن كافة قراراتها ضد يهود وعن فلسطين 48، ويجب أن تعلن رفضها للإرهاب، ولعداوة يهود على وجه الخصوص، وأن توجد لدى يهود فترة كافية للوثوق بهذا الأمر. فانضواء حماس تحت مظلة السلطة - سواء في غزة أو الضفة - يعتبره يهود عملا يخلّ بالاتفاقات المبرمة معهم، وربما جعلهم يندفعون في اتخاذ قرارات سياسية ضد السلطة وتصنيفها في قائمة الإرهاب.
9- هناك أمور قربت الإدارة الأمريكية من موضوع التمهيد للتعامل مع حركة حماس في الضفة وغزة إلا أن الأمور لا زالت في بداياتها؛ حيث إن حماس ما زالت مصنفة على قائمة الإرهاب عند أمريكا، حيث أدرجت أمريكا حركة حماس على قوائمها السوداء في شهر تشرين الأول 2004، وهي ضمن قائمة الإرهاب منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. وقد قبلت أمريكا بعض الأمور كخطوات على الطريق منها:
1- عرض الرئيس الأمريكي أوباما على نتنياهو بتاريخ 10/7/2014 وساطة بين كيان يهود وحماس للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقال البيت الأبيض في بيان إن أوباما عرض في اتصال هاتفي مع نتنياهو بـ"أن الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل التوصل إلى وقف للعمليات العسكرية بما في ذلك العودة إلى وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2012". وفي هذا بداية للتعامل مع الحركة مع بقائها على قائمة الإرهاب.
2- قيام عملاء أمريكا في مصر والسعودية وسوريا بالتفاوض مع حركة حماس، وعقد اتفاقات تهدئة أو كما جرى في مكة سنة 2007 لإنشاء حكومة وحدة وطنية تضم حماس والسلطة الوطنية. كل ذلك مؤشرات على بداية التفكير عند أمريكا للتعامل مع حركة حماس كثقل سياسي داخل فلسطين، وأنه لا يمكن إبرام أي اتفاق بدونها. وهذا يعني أن أية عملية أو مبادرة غربية للسلام مع كيان يهود يجب أن يسبقها موقف فلسطيني موحد أولا، وأن يكون هذا الموقف تحت مظلة السلطة الفلسطينية، أي أن تعترف حماس ضمنا بكيان يهود وبالمبادرة العربية للسلام سنة 2002. وهذا أحد أهداف المصالحة التي يسعى لها النظام المصري وجهات أخرى.
10- هناك مؤشرات وتصريحات كثيرة صدرت عن قادة حماس؛ في غزة والضفة تشير إلى عدم معارضتهم موضوع إيجاد اتفاقات مع كيان يهود تحت مظلة السلطة، ولكن ضمن شروط معينة وليس حسب شروط الرباعية، ولا المبادرة العربية. فقد عرضت الحركة تعديلات لذلك؛ فقد ورد في ميثاقها حول المنظمة التي أعلنتها عام 2017 "منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية". فقبول حماس الدخول في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وهو أحد مؤسسات السلطة نتاج اتفاق أوسلو، ثم طرح الميثاق سنة 2017 (وثيقة المبادئ السياسية) حيث أشارت إلى قبول حل الدولتين وقبول قيام دولة فلسطينية على حدود 67، فمثل هذه الأمور ومنها القبول بالانضواء تحت مظلة السلطة الفلسطينية، حتى وإن كان ضمن شروط معينة، والقبول أيضا بالانضواء تحت مظلة منظمة التحرير مع طرح موضوع الإصلاحات السياسية والتعديلات، وطرح وثيقة المبادئ سنة 2017، وقبول المبادرة العربية بشروط معينة، وقبول فكرة المصالحة تحت مظلة الحكومة المصرية وبعض الدول المطبعة مع كيان يهود، وقبول موضوع التهدئة العسكرية، وغير ذلك من تطورات ومعطيات سياسية وعسكرية واقتصادية، كل ذلك يشير إلى قبول فكرة التفاهمات السياسية مع كيان يهود عبر مشروع أمريكي عربي، وهذا خرق لميثاق الحركة ومقدمات لدخولها في المشروع العربي مع كيان يهود.
وأمام هذه المعطيات على الأرض فإن أمريكا تسعى لمعالجة عدة قضايا كمقدمات للتهدئة، وإنعاش الوضع الاقتصادي، وكبح جماح حكومة يهود تجاه الفلسطينيين. وتتبع أمريكا في سبيل التهدئة سياسة الإغراءات أحيانا، والضغوطات أحيانا أخرى، ومن هذه السياسات:
1- إرسال المبعوثين الأمريكيين إلى فلسطين، أو إجراء الاتصالات المباشرة مع المسئولين في كيان يهود لطرح موضوع التهدئة كلما تأزمت الأمور، أو حدثت تهديدات جديدة منه لزعزعة الاستقرار في الدول المحيطة. فعلى سبيل المثال قام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان بطرح موضوع التهدئة وعدم إثارة الأمور العسكرية خلال الحرب الأخيرة على غزة 11/5/2023 وقال خلال اتصال مع نظيره اليهودي تساحي هنغبي: "يجب وقف إطلاق النار، وإرساء التهدئة والتوترات بين الطرفين لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح..."، وحذر مدير الاستخبارات الأمريكية دان كوتس، كيان يهود من مغبة مواصلته شن ضربات على المواقع الإيرانية في سوريا، مؤكدا أن استمرار مثل هذه الغارات قد تستفز إيران للرد. وقال أمام لجنة الاستخبارات لمجلس الشيوخ الأمريكي "لكن الضربات (الإسرائيلية)، التي تؤدي إلى سقوط القتلى الإيرانيين، تزيد من احتمال تنفيذ إيران عمليات انتقامية تقليدية ضد (إسرائيل)". وقد أصبحت أمريكا تدرس مسألة وضع مسئول بشكل دائم لموضوع التطبيع تحت مسمى "أبراهام"، فقد صرح وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في 8 أيار/مايو 2023 أنه يدرس تعيين السفير الأمريكي السابق لدى كيان يهود، دان شابيرو، ليكون مسؤولاً عن اتفاقيات التطبيع أبراهام. وهذا منصب سيتم استحداثه لمواصلة موضوع التطبيع والتهدئة في المنطقة.
يتبع...
رأيك في الموضوع