خمسة أشهر منذ زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء في مفاوضات علنية مع الحوثيين تعتبر امتداداً لعدة لقاءات سرية مباشرة بين الطرفين منذ بدء الحرب وليست وليدة اليوم كما يعتقد البعض. "قالت مصادر مطلعة إن مفاوضات جديدة تجري حالياً بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثيين والأمم المتحدة تعتبر امتداداً لتلك التي جرت في العاصمة العمانية مسقط في آب/أغسطس 2015م" (مونت كارلو الدولية، 8/3/2016م). وتوالت اللقاءات والزيارات في أكثر من بلد بوساطة عمانية ورعاية أممية، ويبدو أن الوقت لم يكن مناسباً للإعلان الرسمي حتى زيارة السفير السعودي التي نتج عنها تفاهمات من ضمنها تبادل المئات من السجناء، وأعقبت زيارة السفير السعودي هذه زيارة لوفد حوثي للسعودية لأداء مناسك الحج في 20/6/2023م لأول مرة منذ بداية الحرب، وفي منتصف أيلول/سبتمبر الحالي زار وفد مفاوض من الحوثيين العاصمة الرياض لمناقشة صرف المرتبات ومعالجة الوضع الإنساني والوصول إلى حل عادل وشامل ومستدام، ولم يتم التصريح عن نتائج هذه المفاوضات سوى أنه سيتم طرح الملفات التي تمت مناقشتها على قيادة الجماعة في صنعاء على لسان رئيس وفد الحوثيين المفاوض.
إن قضية اليمن شائكة بسبب الصراع القوي كون عملاء الإنجليز متوغلين في الوسط السياسي وهذا الأمر يزعج أمريكا، وقد انكشفت عورة الحوثيين في صنعاء والمناطق القابعة تحت سيطرتهم خلال ما يقارب من عام ونصف منذ سريان الهدنة في 2/4/2022م وتعالت الأصوات الرافضة لحكمهم بقوة العصا وتنعمهم بالثروات في ظل الفقر والجوع الذي يعاني منه سواد الشعب، وتعالت هذه الأصوات عبر مكونات حزبية وشخصيات برلمانية واعتبارية وسخط شعبي لعدم صرف الرواتب برغم الإيرادات المهولة التي تتم جبايتها دون رحمة ولا شفقة بحال الشعب الصابر والصامد على هذه الحرب والذي ضحى بالغالي والنفيس ولم ينل إلا مزيداً من الشقاء والتعاسة والتهجير والجوع! ويبدو على الأرجح أن هذه الأصوات وعلى رأسها كلمة نائب رئيس المجلس السياسي ورئيس حزب المؤتمر صادق أمين أبو رأس، التي ألقاها بمناسبة ذكرى تأسيس حزب المؤتمر في 24 آب/أغسطس 2023م، قد أثرت فيهم وخافوا من قيام بريطانيا بأعمال قد تضرب الحوثيين، وبالتالي عجل حكام آل سعود عملاء أمريكا بترتيب لقاء بالرياض لمناقشة الملفات ومنها الملف الإنساني ولكن إلى الآن لم تظهر نتائجها للناس.
لقد ظهر جلياً للعلن العداء المحتدم بين الحوثيين وحزب المؤتمر، فقد قوبلت تصريحات أبو رأس وغيره من السياسيين والبرلمانيين بهجوم شرس من إعلاميي وسياسيي الحوثيين وعلى رأسهم رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء مهدي المشاط الذي وصفهم في كلمة ألقاها في محافظة عمران بالحمقى والغوغائيين والمزايدين والمرتزقة، متهماً إياهم بالتماهي مع من سماهم الأعداء، ويبدو أن تصريحات جناح المؤتمر قد لاقت اهتماماً بالغاً من الحوثيين حيث قام المشاط بزيارة عدد من المحافظات وافتتح عدة مشاريع خدمية لأول مرة بهذه الوتيرة منذ توليهم الحكم، ولم يبادل المؤتمريين الشراسة التي أظهرها الجانب الحوثي.
على النقيض من ذلك يبدو أن التسريع بالحل ليس لمصلحة الحوثيين ربائب إيران التي تدور في فلك أمريكا لأنهم يريدون وقتاً طويلاً ليضربوا عملاء بريطانيا، وبالتالي يحتاجون لوقت كبير.
والذي يجعل اللقاءات بين الحوثيين وحكام آل سعود تزداد هو الضغط الخفي من حزب المؤتمر عملاء بريطانيا المعتّقين.
إن ما يلوح به عبد الملك الحوثي من ضرورة عمل تغيير جذري، في كلمته التي ألقاها في ذكرى 21 أيلول/سبتمبر، ربما يقصد به التخلص من رجال بريطانيا بأية طريقة كانت؛ سواء بتغيير الوجوه أو بتغيير شكلي في النظام العلماني فيتيح لهم التخلص من خصومهم حزب مؤتمر الداخل، وربما يؤيد هذا الاعتقاد ما نسمعه من التأييدات والمباركات لهذا التغيير المزمع إعلانه في 12 ربيع الأول 1445هـ من جميع الوزارات والمؤسسات والقادة والمشائخ وجميع المكونات في أنحاء سيطرة الحوثيين، وبالتالي أمريكا تعلم هذا وسوف تعمل على الإشراف على حلول مجتزئة لتمكن عملاءها من خصومهم، خصوصا وأن أمريكا تعول كثيراً على حكام آل سعود في تقوية الحوثيين.
بدا جلياً أن هذه التفاهمات اقتصرت بين المملكة والحوثيين في إطار الخطة المرسومة للمملكة بتجسيم وتثبيت الحوثي عميل أمريكا، وحتى اللحظة لم تتعدهم المفاوضات لتصل إلى بقية المكونات في الوسط السياسي، التي تمثل بريطانيا، وبرز ذلك في تصريحات رئيس مجلس القيادة العليمي الباهتة والدالة على حسم المفاوضات بعيداً عنه بضغط سعودي، "وأشار العليمي إلى أن الحكومة اليمنية قدمت العديد من التنازلات ولم يعد لديها المزيد من التنازلات محذراً في الوقت ذاته من التعامل مع المليشيات كسلطة أمر واقع" (الجزيرة نت، 21/9/2023م). ويبدو أيضاً أن هذه المفاوضات ليست سهلة أو ذات نتائج قريبة، فقد صرح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سلطة الأمر الواقع في الجنوب) عيدروس الزبيدي المدعوم إماراتياً لوكالة أسوشيتد برس "إنه سيعطي الأولوية لإنشاء دولة منفصلة في المفاوضات مع منافسيه جماعة الحوثي، وأضاف: نطالب بعودة الدولة الجنوبية بسيادتها الكاملة، وهذا سيحدث من خلال بدء المفاوضات مع الحوثيين، وستكون المفاوضات بالتأكيد طويلة" (القدس العربي، 23/9/2023م).
لم تعد هذه الحرب تحظى بشعبية كبيرة، ويبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تحركات ولقاءات عالية المستوى للتوصل إلى حل تحفظ به أمريكا مكانة عملائها في الشمال، وأن بناء مقاربة بين الأطراف السياسية سيكون الحل المؤقت حتى ينفرد أحد الأطراف الاستعمارية بالسيطرة وإزاحة الطرف الآخر من المشهد السياسي عن طريق العملاء المتصارعين الذين يقاتلون ويصارعون لأجل مصالح أسيادهم ولو بقتل وتجويع أبناء جلدتهم، وإنه لا خلاص لنا إلا بقلع النفوذ الأجنبي بكل أشكاله وأركانه ورموزه، ووضع الإسلام العظيم موضع التطبيق والتنفيذ، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، تُظلُّها رايةُ رسول الله ﷺ، بالطريقة نفسها التي سار عليها رسولنا الكريم ﷺ لتحقيق وعد الله سبحانه وتعالى ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ لهذا ندعو كل المخلصين الواعين في هذا البلد من قيادات وضباط وشيوخ إلى الالتفاف حول مبدئهم وترك لعاعة الدنيا وترك اتباع الدول المتصارعة الكافرة ومن يمثلها من مبعوثين أمميين ومن لف لفهم، ونقول لهم: لن ينقذكم سوى التمسك بدينكم والاحتكام إلى شرع ربكم، وإن حزب التحرير ناصح أمين لكم، يملك المشروع التفصيلي العملي من مبدأ الإسلام العظيم للانفكاك من كماشة الدول الاستعمارية أمريكا وبريطانيا وأخواتهما في الجرم والمكر.
بقلم: المهندس قيصر شمسان – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع