أعلنت أذربيجان يوم 19/9/2023 قيامها بعملية عسكرية في إقليم قراباغ الذي تحتله أرمينيا، وطالبت باستسلام أرمني كامل وغير مشروط، وأعلنت سيطرتها على نحو 90 موقعا أرمينيا في المنطقة. بينما أعلنت سلطات قراباغ الأرمينية أن "حصيلة ضحايا العملية العسكرية الأذرية التي استمرت يوما واحدا في الإقليم ارتفعت إلى 200 قتيل و400 جريح" وتم إجلاء أكثر من 7 آلاف شخص من 16 قرية، علما أنه يسكن الأقليم نحو 120 ألفا أغلبهم من الأرمن بعدما طردوا أهلها المسلمين بمساعدة روسيا قبل 30 عاما.
وأعلن رئيس أذربيجان علييف يوم 20/9/2023 أن بلاده استعادت سيادتها على قراباغ، وتحدثت باكو عن بدء المسلحين الأرمن بتسليم الأسلحة.
وتحركت روسيا فورا وضغطت على الأرمن في الإقليم لنزع سلاحهم ومنع تسعير الحرب، ووصفت الرئاسة الأذرية المحادثات التي عقدت في مدينة يفلاخ غرب باكو برعاية روسية بالبناءة. حيث تمت مناقشة قضايا إعادة إدماج الأرمن في الإقليم وترميم البنية التحتية فيه، وتنظيم العمل وفقا لدستور وقوانين أذربيجان.
لم تدن أرمينيا العملية، ونأت بنفسها عن القضية، ودعا رئيس وزرائها باشينيان إلى "التوصل إلى سلام عادل ودائم بين أرمينيا وأذربيجان، وضمان الحقوق والأمن لسكان قراباغ". لأنها رأت نفسها وحيدة، ولا تقدر على مجابهة أذربيجان، وأعلن أن "قوات السلام الروسية أخفقت في مهمتها". فروسيا مشغولة في حرب أوكرانيا، ولا تريد الدخول في حرب ثانية لحماية الأرمن، وتعلم أن وراء العملية أمريكا التي تريد توريطها في حرب جديدة كما ورطتها في حرب أوكرانيا. فسارعت لوقف الحرب التي شنتها أذربيجان بدعم من تركيا ومن خلفها أمريكا في خريف عام 2020 لاستعادة أراضيها التي احتلها الأرمن بمساعدة الروس عام 1993. إذ احتلوا خمس مناطق أذرية مساحتها نحو 20-24% من ضمنها إقليم قراباغ، وشردوا نحو مليون مسلم، حتى صدرت قرارات مجلس الأمن عام 1993 التي دعت إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الأرمينية بدون تهديدها بتفعيل البند السابع، فرسخت الاحتلال، إلى أن جاءت ظروف أتاحت لأذربيجان استعادة أراضيها. عندئذ تدخلت روسيا لتعقد اتفاقية بين أذربيجان وأرمينيا يوم 9/11/2020 تتضمن سحب الأرمن لقواتهم من المناطق الأربع المحتلة وتسليمها لأذربيجان مع تأمين وقف إطلاق النار وبقاء إقليم قراباغ تحت سيطرة الأرمن بإشراف قوات سلام روسية تعدادها 2000 جندي دخلت إلى الإقليم لحين إيجاد حل له، كما ذكر الرئيس الروسي آنئذ.
وتحرك أذربيجان هذا، موجه ضد نفوذ روسيا بالدرجة الأولى، حيث يشكو الأرمن من عدم قدرة روسيا على حفظ أمنهم، علما أن أرمينيا عضو في منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، ولروسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، فيقتضي منها التدخل لحماية الأرمن كما تدخلت في بداية عام 2022 في كازاخستان العضو الآخر في هذه المنظمة، إذ ينص ميثاق المنظمة أن الاعتداء على أي عضو فيها يعتبر اعتداء على بقية الأعضاء.
وكانت فرنسا من أكثر الدول انزعاجا من العملية، إذ أعلن رئيسها ماكرون أنه "يدين بأشد العبارات العملية العسكرية التي بدأتها أذربيجان في إقليم قراباغ"، ودعا إلى "وقف فوري للهجوم". ففرنسا تتبنى دائما سياسات في الداخل والخارج ضد الإسلام والمسلمين. ولهذا تتبنى قضية الأرمن، وهي عضو مع أمريكا وروسيا في مجموعة مينسك التي تشكلت عام 1992 لإيجاد حل للنزاع الأذري الأرمني. فكل دولة لها مصالحها تسعى لتحقيقها وليس لحل النزاع كما ينبغي. ولم تستطع أن تلعب فرنسا أي دور؛ لأن روسيا لم تمكنها من ذلك، ولا تملك أوراق ضغط سوى تأييدها المطلق للأرمن، وبذلك عزلت نفسها لعنجهيتها وبغضها للمسلمين حتى لو كانوا غير ملتزمين بالإسلام، وأنظمتهم في تركيا وأذربيجان علمانية بغيضة مستوحاة من نظامها الكافر، فلم تستطع التواصل مع البلدين، بينما أمريكا كانت تلعب عن طريق تركيا أردوغان.
وتحركت أمريكا لتواصل اتصالاتها بالطرفين، فقام وزير خارجيتها بلينكن باتصالات هاتفية مع رئيسي الطرفين علييف وباشينيان ودعاهما إلى الحوار، وأكد لباشينيان "دعم واشنطن لسيادة أرمينيا". وذكر أن "السلام العادل سيعود بفائدة كبيرة على البلدين وسيكون بمثابة تغيير قوي نحو الأفضل في مسار التاريخ بعد ثلاث سنوات من الاشتباك"، أي نحو الهيمنة الأمريكية في المنطقة. فأمريكا تسعى لكسب أرمينيا كما كسبت أذربيجان عن طريق أردوغان، وتجعلها تتخلى عن تبعيتها لروسيا. فكانت وراء هذه الحرب منذ ثلاث سنوات. ولهذا شرعت بمناورات مشتركة مع أرمينيا يوم 11/9/2023 لمدة 10 أيام قرب العاصمة الأرمنية يريفان، فأثار ذلك غضب روسيا حيث نددت بها عندما أعلن عنها قبل أسبوع من إجرائها، ما يدل على أن أرمينيا اتخذت هذا القرار بدون إعلام روسيا في خطوة نحو التخلي عن تبعيتها لها، فقد قال المتحدث باسم الكرملين بيسكوف يوم 7/9/2023 "من الواضح أن إجراء مثل هذه المناورات لا يسمح باستقرار الوضع في المنطقة أو تعزيز أجواء الثقة المتبادلة.. وإن روسيا ستواصل مهامها بوصفها ضامنا للأمن". فجاء التدخل الأذري عقب ذلك لينفي قدرة روسيا على ضمان الأمن للأرمن، وليؤكد لهم أن روسيا غير قادرة على توفيره لهم ويضعضع الثقة المتبادلة.
وقد نفى رئيس وزراء أرمينيا باشينيان بشكل مباشر إعلان روسيا أن أرمينيا ستستضيف تدريبات منظمة الأمن الجماعي لهذا العام، ما اضطر روسيا إلى إجرائها في بيلاروسيا من 1 - 6/9/2023، ورفض إرسال قوات أرمينية للمشاركة فيها. علما أن باشينيان كان يثق في روسيا وضماناتها الأمنية، فقد أعلن يوم 3/5/2021 عقب الهجوم الأذري عام 2020 أن الجيش الروسي "أقام موقعين جديدين في جنوب أرمينيا بالقرب من حدود أذربيجان باعتبار الموقعين ضمانا أمنيا إضافيا". ويرى الأرمن أن روسيا قد خذلتهم ولا تستطيع ضمان أمنهم وهم شعب فقير، محصور بين الجبال، قليل العدد والعتاد، ضعيف القوى بالنسبة لأذربيجان التي تتفوق عليهم مرات في التعداد والعتاد والقوى والغنى والبحر والمناخ.
وبدأت أمريكا تتصل بهم وتعقد الاجتماعات بين مسؤوليهم والأذريين من بعد العملية الأذرية عام 2020 لسحب البساط من تحت أقدام روسيا، فحصل أن جمع وزير خارجيتها بلينكن نظيريه الأذري والأرمني في واشنطن بتاريخ 20/9/2022، و8/11/2022.
إن أذربيجان وأرمينيا بلدان مسلمان فتحا على عهد الخليفتين الراشدين عمر وعثمان رضي الله عنهما. ولا أمان للأرمن إلا في ذمة المسلمين كما كانوا من قبل، في ظل دولة الخلافة الراشدة القائمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع