أعلنت السلطة الفلسطينية عن عزمها تطبيق قانون الضمان الاجتماعي مطلع الشهر القادم، فتعالت الأصوات المعارضة وخرجت المسيرات الرافضة وتعاظمت الاحتجاجات ضد القانون وما زالت السلطة مصرةً على تطبيقه، فما هو قانون الضمان الاجتماعي هذا؟ ومن أين جاء؟ ولماذا تصر السلطة على فرضه بالقوة؟ ولماذا هذه الاحتجاجات رغم أن السلطة تدّعي أن هذا القانون هو إنجاز تاريخي وانحياز للعمال والطبقة الكادحة؟ وفي مصلحة من يصب هذا القانون ومن هي الجهة المستفيدة منه؟ وما هو أخطر شيء في هذا القانون؟
قانون الضمان الاجتماعي في الأصل هو قانون وضع لترقيع عيوب النظام الرأسمالي الذي جعل المنفعة والقيمة المادية أساس كل شيء وجعل رعاية الشؤون وفق هذه النظرة، والإنسان بطبيعته بعد سنٍّ معينة أو نتيجة إصابة أو مرض معين لا يستطيع القيام بالعمل والإنتاج فيصبح شخصا لا قيمة له حسب النظرة الرأسمالية، مما سبب لها مشكلة حسب نظرتها فلا هي قادرة على التخلص منه بوصفه عالة ولا هي تريد الإنفاق عليه فتخسر المال، فجاء هذا القانون للتعامل مع هذه الفئة من الناس ورعاية شؤونهم من قبل مؤسسة تجمع أموال المشتركين والعمال خلال فترة عملهم لتنفق عليهم عند الشيخوخة أو الإصابة "رعاية الدفع المسبق". أما في الإسلام فهنالك أحكام شرعية تنظم النفقة على هذه الفئة ممن تجب عليهم النفقة إن كانوا قادرين، مثل إنفاق الأبناء على آبائهم فإن لم يوجد من تجب عليه النفقة أو كان غير قادر انتقل وجوب النفقة إلى الدولة، أما التأمين فلا حاجة له لأن الدولة ملزمة بتوفير التطبيب لرعاياها جميعا.
لماذا تصر السلطة على هذا القانون رغم الاحتجاجات والمسيرات الرافضة له؟
ذلك لأن السلطة لم يوجدها الاستعمار لرعاية شؤون أهل فلسطين، وإنما لتنفيذ أجندات سياسية لتصفية قضية فلسطين، وهو ما يجعل السلطة تعمل جاهدة للتخلص قدر الإمكان من أي التزام تجاه أهل فلسطين يندرج تحت رعاية الشؤون، من مثل إعالة المحتاج والمعدم ومن مثل التطبيب، وقد وجدت السلطة في هذا القانون ضالتها حيث سوف تنقل هذه المسؤوليات من السلطة إلى مؤسسة الضمان "مؤسسة رعاية الدفع المسبق". وأمر آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول هو أن هذه المؤسسة سوف تجمع أموالا طائلة حيث يقدر عدد من سيجبرون على المشاركة في هذه المؤسسة بأكثر من مليون شخص، ولو فرضنا أنهم مليون وبمتوسط دخل 700 دولار في الشهر فإن أول شهر سوف تجمع هذه المؤسسة ما يقرب 50 مليون دولار من العمال وما يقارب 70 مليون دولار من أصحاب العمل، أي ما مجموعه 120 مليون دولار في أول شهر فقط، وللعلم فإن أول راتب سوف يدفع بعد تطبيق القانون سيكون بعد عشر سنين، أي أن هذا القانون يجني للسلطة أموالا طائلة وثروة لا تنضب لاستثمارها وسرقتها وشراء الذمم وإبقاء المرتزقة، وهو ما يفسر إصرار السلطة على تطبيقه رغم كل الاحتجاجات والأصوات المعارضة.
ولا يقال إن هذه المؤسسة بحسب قانونها هي مؤسسة مستقلة ولا تدخل أموالها خزينة السلطة، فهذا تدليس وخداع يكذبه الواقع، فالسلطة تسيطر على هذه المؤسسة من خلال السيطرة على مجلس إدارتها الذي يرأسه وزير العمل ويصادق على بقية أعضائه مجلس الوزراء.
لماذا هذا الاعتراض من أهل فلسطين على القانون رغم أن السلطة تدّعي أنه لخدمتهم وحماية أموالهم؟
- إن أهل الأرض المباركة قد أثقلت كاهلهم كثرةُ الضرائب من قبل السلطة فجاء هذا القانون ليكون القشة التي تقصم ظهر الناس الذي انحنى بفعل الضرائب والجمارك؛ حيث يقوم القانون على اقتطاع 7.2% من راتب العامل مما أثار غضب العامل الذي يكاد يكفيه الراتب دون اقتطاع، وأيضاً ينص القانون على أن يدفع صاحب العمل 10.9% عن كل عامل وهو إذا ما أضيف للضرائب الأخرى التي يدفعها أصحاب المصانع والمشاريع التي تشغل العمال فإنه يمثل الحال التي عبر عنها أحد أصحاب هذه المشاريع بالقول "سوف نغلق المصانع ونجمع المفاتيح لنسلمها للسلطة" ولسان حاله يقول لقد أصبحت هذه المصانع تعمل للسلطة!
- إن الراتب الذي يوفره هذا القانون للشخص إذا استحق الراتب بعد تحقيق شروطه الصعبة، كأن يكون مشتركاً لمدة 15 عاما وبلغ سن الستين سيكون من خلال المعادلة التالية (2% مضروب بعدد السنوات مضروب بمتوسط آخر ثلاثة رواتب) والناتج هو راتب سخيف لا يكفي لتوفير أدنى متطلبات الحياة، وقد رفع في الاحتجاجات شعار "الضمان للإفقار، يسقط يسقط الضمان".
- إن أهل فلسطين لا يقبلون بالسلطة ضامناً لهذا الصندوق، فالسلطة بنظر أهل فلسطين لا ضامن لها بل هي تمثل الجهة التي تسرق وتنهب الشعب، وقد هتفوا في الاحتجاجات "هيّ هيّ شلة حرامية".
والخلاصة أن الاعتراض على هذا القانون نابع من إدراك أهل فلسطين لخطورته وأنه يهدف إلى سرقة أموالهم وتصديرها للخارج تحت مسمى الاستثمار الخارجي، وما شعارات السلطة وترويجها للقانون على أنه إنجاز تاريخي لخدمة العمال إلا دعابة سمجة على أناس فقدوا ثقتهم في السلطة ومشاريعها.
في مصلحة من يصب هذا القانون ومن المستفيد منه؟
من خلال ما سبق ومواد القانون الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها يتبين أن الجهة الوحيدة المستفيدة من القانون هي السلطة عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي التي ضمنت السيطرة عليها من خلال مجلس إدارتها، وكذلك رجالات السلطة وحفنة الرأسماليين الكبار (القطط السمان) الذين يساعدون السلطة ويشاركونها سرقتها وهم منها وهي منهم.
أخطر ما في القانون:
أنه حرام شرعاً؛ فالسلطة تريد أن تأخذ أموال الناس بالغصب والرسول e يقول: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»، ومن ثم يتم استثمار هذا المال في المؤسسات الربوية ما يستجلب غضب الله والعياذ بالله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ وبذلك تجبر السلطة كل من يخشى الله ويرفض أن يضع درهماً واحداً في حساب ربوي أن يكون له مال يشغل في المؤسسات الربوية وأن تطعم فتات هذا المال الذي استثمرته في الربا للناس بعد فترة من الزمن!! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع