أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في حوار بثّه تلفزيون الحوار التونسي يوم 24 أيلول/سبتمبر 2018 أن التوافق السياسي القائم منذ 5 سنوات بينه وبين حركة النهضة انتهى بطلب منها.
كما قال السبسي: "منذ الأسبوع الفارط قررنا الانقطاع بطلب من النهضة... هي تريد التوافق مع الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد... العلاقات بين الباجي قائد السبسي والنهضة انقطعت".
وتابع السبسي: "لم يعد هناك توافق للتواصل بين الباجي والنهضة، بسعي منها، النهضة نفضت يدها من الباجي واختارت طريقا آخر، إن شاء الله يكون موفقاً، لكن لا أظن ذلك".
وتفاعلاً مع خطاب السبسي أعلنت حركة النهضة في بلاغ إعلامي لها يوم 25 أيلول/سبتمبر 2018 "التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية... وأن خيار التوافق يعود له الفضل في نسج الاستثناء التونسي ويبقى الأرضيّة المثلى لاستقرار بلادنا وإدارة الاختلاف في كنف المسؤولية الوطنية والاحترام المتبادل".
كما أكدت حركة النهضة أن "الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي لا يعني تنكر النهضة للعلاقة المتينة التي تربطنا بفخامة رئيس الجمهورية، بل هو من صميم الحياة الديمقراطية ومن متطلبات دقة المرحلة وجسامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام الوطني".
إن انتهاء التوافق من عدمه بين الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي، يخفي من ورائه سعي الطرفين لإبراز ما التزاما به للجهات الغربية الراعية لهذا التوافق، وإبراز أن كلاً منهما ما زال على العهد ولكن الطرف الآخر هو من أخلّ بالميثاق، ويتجلّىهذا خاصة في تأكيد السبسي في حواره على أن الانقطاع بطلب من النهضة في حين إن النهضة تنفي قطعاً ذلك بل وتلتزم بمسار التوافق.
إن الأحزاب السياسية الحاكمة اليوم في تونس تعمل ليلاً نهاراً، لإرضاء المسؤول الكبير، على حدّ قول السبسي، وكسب مودّته ولو كان ذلك على حساب ما تتبناه من مبدأ ومفاهيم، فهذه الأحزاب لا ترى الحكم إلا من منظور الغرب وأفكار الغرب ولا ترى سبيلا للوصول للحكم إلا بالتمسح والتذلل على أعتاب السفارات والخنوع والخضوع بين يدي المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إن إصرار حركة النهضة على الالتزام بسياسة التوافق مع هذه الأحزاب العلمانية وإصرارها بالدخول معها ومشاركتها الحكم والتماهي معها في أطروحاتها وبرامجها هو في حد ذاته إقرار بالتنازل عن مبدأ الإسلام وعن أفكار الإسلام لصالح الفكر العلماني ولصالح عقيدة فصل الدين عن الحياة التي يتبناها النظام الرأسمالي.
إن سياسة التوافق بين الحركات الإسلامية والأحزاب العلمانية، طبعا برعاية الغرب الكافر، تعمل على ترويج فكرة أن الإسلام السياسي غير قادر على الحكم بمفرده وغير قادر على رعاية شؤون الناس وأن الإسلام لا يملك الحلول والبرامج لمعالجة المشاكل السياسية والاقتصادية والمجتمعية...
هذه السياسة، تُفقد الحركات الإسلامية جانبها المبدئي وتجعل منها حركات براغماتية، تُغلّب المصلحة الحزبية والمنافع الشخصيّة على مقياس الحلال والحرام، إلى حد الوصول بالقول على لسان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة: "ليس في برنامجنا تطبيق الشريعة، فأولويتنا هي إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يضمن الحريات لجميع المواطنين من دون تمييز على أي أساس".
إن الإصرار على تشكيل حكومات ائتلافية توافقيّة بين أحزاب تدَّعي تمثيل الإسلام وإقامة الإسلام والحكم به مع قوى علمانية تعتبر حكم الإسلام تخلّفاً ورجعية هو من باب ترويج نموذج أو تيّار "الإسلام المعتدل" الذي بات تسويقه وفرض هيمنته على الساحة الإسلامية غاية غربية معلنة على الملأ.
ومن ثم فإن تزاوج الإسلام والعلمانية يعني بصفة مباشرة تعطيل الإسلام وأفكار الإسلام ومفاهيم الإسلام ونمط عيش الإسلام. حتى إن ما يؤخذ منه في أضيق المجالات كالأحوال الشخصية والعبادات إنما يأتي من باب الحرية الشخصية التي تنبثق عن وجهة نظر الغرب العلماني وليس كونها أحكاماً شرعية يفرضها الإسلام.
إن اعتماد الحكومة الائتلافية كنموذج يفضي عملياً إلى صرف الأمة بعيداً عن المثال المطلوب، فإحلال إسلام شكلي يهدئ من غليان الأمة وينفس رغباتها ويفقدها حماستها، ويوهمها بأن هذا هو جل ما يمكن أن يقدمه الإسلام، ما يعني التحايل على مشاعر الناس مع استمرار النظم الوضعية كما هي بثوب إسلامي، ناهيك عن احتمال ارتداده إلى الصورة العلمانية الصرفة لاحقاً بذريعة إخفاق المشروع الإسلامي. وفي حقيقة الأمر فإن الفشل الحاصل اليوم وعكس ما يزعمون راجع بالأساس إلى سياسة الائتلاف المسموم، وهي خلط للإسلام بغيره من الأفكار والمعالجات. فالإسلام مبدأ قائم بذاته والخلط يفقده صبغته، وبالتالي لا يكون المشروع إسلامياً، ولا يمكن تنسيب الفشل لمشروع الإسلام بل الفشل لأصحاب هذه المناهج والنماذج الائتلافية التوافقيّة.
بقلم: الأستاذ ممدوح بوعزيز
رأيك في الموضوع