انعقدت في طهران يوم الجمعة الفائت، السابع من أيلول، قمّة جمعت بين الرئيس التركي أردوغان مع أخيه العزيز الرئيس الإيراني روحاني، وصديقه العزيز الرئيس الروسي بوتين لبحث الأوضاع في سوريا وخاصة إدلب، والخروج بحل تتوافق عليه هذه الدول والتي تُسمى "الضامنة" والتي اجتمعت مرّات سابقة في أستانة وأنقرة، فما الجديد الذي حملته هذه القمّة؟
لقد كانت اتفاقيات أستانة سابقاً تخرج ببيان مُشترك بين هذه الدول شبيهٍ إلى حدٍّ ما ببيان قمّة طهران، وبعد انتهاء مؤتمرات أستانة يشهد أهل الشام تطبيقات لمُخرجات أستانة غير التي تم ذكرها في الإعلام، فقد كان تهجير كلٍّ من الغوطة والقلمون وريف حمص الشمالي ودرعا ضمن مُخرجات أستانة غير المعلنة، وكذلك سيطرة النظام المُجرم على "شرقي السكة" جنوب إدلب.
ورغم أن قمة طهران خرجت بإعلان هدنة في إدلب حسب ما اقترح أردوغان، إلا أن الطيران الروسي بدأ بصبّ حممه على مناطق عدّة جنوب إدلب وشمال حماة، فهل تحمل قمّة طهران مُخرجات غير مُعلنة كسابقاتها في أستانة؟ أم أن القصف الروسي هو ضمن المُخرجات المُعلنة على اعتبار أن بوتين تردد في قبول الهدنة في إدلب؟ وهل يمنع وقوع الهجوم تصريح أردوغان بأنه "لن يقف مُتفرجا حال الهجوم على إدلب"؟ أم أنه زوبعة في فنجان وذر للرماد في العيون؟
عند البحث في بيان قمة طهران تجد أن البيان قد نصّ صراحة على "عزمهم على مواصلة التعاون من أجل القضاء نهائياً على تنظيم داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والمجموعات والمشاريع والهيئات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش الذين تم تصنيفهم كإرهابيين من قبل مجلس الأمن الدولي، وشددوا على أنه في مكافحة (الإرهاب)، سيكون - للفصل بين الجماعات الإرهابية المذكورة أعلاه وجماعات المعارضة المُسلحة التي انضمت إلى نظام وقف إطلاق النار والتي ستنضم لاحقاً - أهمية قصوى، بما في ذلك فيما يتعلق بوقوع إصابات بين المدنيين".
وُجود هذا النص يؤكد أن القصف الروسي لم يكن خارجاً عن الاتفاق، وأن تركيا لن تمنع ذلك بل هي مُطالبة حسب الاتفاق بمواصلة التعاون مع الدول الضامنة، إضافة إلى أن العمل على تطبيق هذا الاتفاق سيولد الشقاق والنزاع بين فصائل الشام تحقيقاً لبند الفصل المذكور، مما يُنذر باقتتال جديد بين الفصائل تُشارك فيه تركيا تحت مُسمى "القضاء على الإرهاب"، تلك الذريعة التي لطالما استخدمها نظام أسد في حربه على أهل الشام.
كما أن القمة الثلاثية كما في كلّ مرّة يجتمع فيها هذا الثالوث الإجرامي تؤكد على "سيادة الجمهورية العربية السورية على جميع أراضيها" وهذا يعني تماماً أن المُجرم أسد له الأحقية في استعادة كل الأراضي من سيطرة الثوار، بل وكانت هذه القمة قد أثنت على الجهود التي بُذلت في تهجير كلٍّ من الغوطة ودرعا وريف حمص، تحت مُسمّى "الحدّ من العنف في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية والمُساهمة في تحقيق السلام والأمن".
إن هذه القمة ومُخرجاتها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام التركي جزءٌ رئيس في المنظومة الدولية التي وقفت مع طاغية الشام منذ أكثر من سبع سنوات، وإلا فماذا تعني المباركة والثناء على سيطرة النظام على كثير من المناطق؟ وماذا يعني التعاون مع روسيا المُجرمة في حربها على أهل الشام تحت مُسمّى "محاربة الإرهاب"؟ وماذا يعني السكوت عن القذائف والصواريخ التي تنزل على أهل الشام بالقرب من نقاط المراقبة التركية؟
إن معرفة ما يُخطط وما يُمكر بنا لا يعني أبداً الاستسلام لمُخططاتهم، ولا يعني أبداً اعتباره قدراً لا قِبل لنا بردّه، بل هو ضرورة مُلحة لمواجهته والوقوف بوجهه، فالوعي على مكر الأعداء أول خطوات الانعتاق من التبعية والعبودية لهم، والوعي أيضاً يُحدد للمخلصين طريق سيرهم ومكمن خلاصهم، وهو دافعٌ لهم لمواصلة المسير حتى يتحقق نصر الله الموعود.
فثوار الشام اليوم عليهم أن يُدركوا خطر الدور التركي فلا يطمئنوا لوعوده ولا يُنفذوا أوامره، وعليهم أن يُدركوا غدر الروس وحقدهم على المسلمين فلا يتصالحوا معهم ولا يقبلوا عُروضهم، فها هم المُصالحون في درعا قد وقعوا في شباك ما اطمأنوا إليه، وكانوا ضحيّة غدر الروس ونظام أسد المُجرم، وهذه بداية إظهار الحقد المدفون والإجرام المتأصل فيهم، فأهل الشام أدرى بإجرام نظامهم والعالم أجمع شهده خلال السنين الفائتة.
إن معرفة العدو الرئيس الذي يُحاربنا ومعرفة أدواته تُعتبر أولى مراحل خوض الصراع، فهذا الثالوث الإجرامي ما اجتمع في كل مرّة إلا ليضع اللّبنات في بناء الحلّ السياسي الأمريكي الذي وضعت قواعده في جنيف صيف 2012م، وإن أهل الشام لقادرون بإذن الله على تقويض هذا البناء من قواعده وهدمه فوق رؤوس أصحابه والعاملين فيه؛ وذلك يكون بالعمل بعيداً عن هذه المنظومة الدولية، وبعيداً عن إملاءاتها وقراراتها ومؤتمراتها، والعمل مع القوة القادرة على إنهائهم جميعاً بطرفة عين أو أقل من ذلك، وهو العمل مع الله القوي المتعال، فهو القادر على أن يُنهي هذه المنظومة المُجرمة، والعمل مع الله يتطلب الثقة به والتوكل عليه واتباع أوامره واجتناب نواهيه والتوكل عليه والاستعانة به وحده، وكل هذا يجتمع في الاعتصام بحبل الله والعمل على تطبيق شرعه بتبني مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي فرضه الله على عباده، وطلب النصر منه وحده فهو القادر عليه، وإذا ما نصر الله عباده فلا غالب لهم. قال تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
رأيك في الموضوع