بعد إحداثالرئيس التونسي يوم 13 آب/أغسطس 2017 لجنة الحريات الفردية والمساواة التي كلفت ببلورة وصياغة "الإصلاحات التي يحتاج إليها النظام القانوني التونسي في مجال الحريات الفردية والمساواة"، وبعد تقديم هذه اللجنة تقريرا في 6 حزيران/يونيو 2018 إلى الرئيس لعرضه على مجلس النواب كمشروع قانون قام على جملة من الانحرافات الشرعية في التشريع التونسي، معلنين فيه صراحة تعمد إبعاد الإسلام وأحكامه من الحياة اليومية للمسلمين في تونس.
ورغم المعارضة الشديدة في الأوساط الشعبية وأوساط المثقفين فقد تبنى السبسي وبمناسبة عيد 13/08 مبادرة جائرة في المساواة في الإرث وفي حرية المرأة التونسية في الزواج من غير المسلم. معلنا بذلك الشوط الأخير من معركة القضاء على ما تبقى من أحكام شرعية في خصوص الأحوال الشخصية بحجة الاجتهاد.
ولم يكتف السبسي على ما أقره من فروع وجزئيات بل تعدى ذلك إلى الأصول والقواعد الكلية التي ترمي إلى هدم أسس الدين وفلسفته بقصد إلغاء مفاهيم الإسلام العقدية الأساسية. فكانت هذه الخطوة بحق، سبقا لم يتجرأ عليها أحد من قبله ولا حتى العميل السابق للاستعمار الغربي بورقيبة القائد الروحي للسبسي، حين أصدر في سنة 1956 "مجلة الأحوال الشخصية" المشؤومة. فخطورة المشروع تكمن في الأسس التي جاءت به ومن أبرز التصورات خطورة، بؤس النظرة لمفهوم الخلافة في الأرض وفساد التصور لعلاقة الإنسان بخالقه معتمدين النظرة الغربية الكافرة بأن الإنسان بعد خلقه وبعثه في الكون جعل منه كائناً "حراً في هذا التصرف (الكون)، بما في ذلك إفساده أو إصلاحه" (ص 8). كما تعرضت لمسألة التسوية بين الأديان وتعريف الدين من منطلق اللجنة الأممية التي عرفت المعتقد بشكل منحرف عما جاء في القرآن الكريم. كما حرفت علاقة الإسلام بهوية الشعب التونسي، معممين ظلما وافتراء تبني كل فرد تونسي لعقيدة اللائكية "اللادينية" التي فرضت في المجتمع بالإكراه والجبر. أما عبارة "الإسلام دينها" فيؤكد المشروع على أنها قاعدة وصفية لا قاعدة حكمية باعتبار أن أغلبية التونسيين مسلمون، والدولة لا تكون بأي شكل من الأشكال خاضعة لا للقرآن الكريم ولا للسنة النبوية، بل للبرلمان وحده كما أقر ذلك الدستور، فـ"الدستور يعلو ولا يعلى عليه".
أما الخضوع لإرادة البرلمان الأوروبي والمجلس العالمي لحقوق الإنسان فهو من مقتضيات "دستور فلدمان". كما اعتمد التقرير تحريفات أخرى تعلقت بمفهوم الاجتهاد بمفاهيم وقواعد غربية أجنبية، غريبة عن الإسلام تحت مسمى "القراءة" ومناقشة النص القطعي بإعادة قراءته بما يخالف مدلوله القطعي، فلا ثابت ولا ثوابت لهم. مستعملين جورا وبهتانا في ذلك مسألة المؤلفة قلوبهم وحد السارق وتقسيم أرض العراق. كما تعرض التقرير إلى مفهوم الحريات والخصوصية الفردية مرتكزين على التصور الغربي لضوابط القانون الوضعي. ثم مفهوم المساواة بين المرأة والرجل ذلك المشكل المستورد من الغرب. هذا من ناحية الأسس، وقد تناولتها بعجالة لوضوح معاداتها لأسس العقيدة الإسلامية السليمة من جهة ولفقدانها لأي منهج فكري يستحق الرد عليه في تقرير الرهط التسعة المشاركين في هذه الجريمة، مغالطات تلبيس وتزييف للحقائق من جهة أخرى.
أما من ناحية الجزئيات وما اقترحته في خصوص أحكام الزواج فلم يخفِ أعضاء اللجنة تتبعهم للأحكام الشرعية في هذا الباب لضربها وإزالة أي أثر لأحكام الباي حسب تعبيرهم، علما أن الباي كان يسن القوانين وفق الشريعة الإسلامية. فاللجنة أقرت الفاحشة إذا تمت وفق الإجراءات الإدارية والتراتيب الجاري بها العمل أي إذا كانت بترخيص مسبق، وفي حالة الممارسة غير المرخص لها اقترحت اللجنة إسقاط عقوبة السجن والاكتفاء بغرامة مالية، أما الزواج الشرعي غير الموثق لدى جهة رسمية فقد اقترحت اللجنة عقوبة بالسجن مدة 3 أشهر (ص 94). فيسجن في تونس المتزوج زواجا شرعيا والزاني يغرم ماليا!! كما أمرت اللجنة بإلغاء الأحكام المتعلقة بالمهر، وفي هذه لم يعودوا لما عاد إليه عمر رضي الله عنه. أما في خصوص ولاية القاصر فقد أمرت اللجنة بـ"تحقيق المساواة بين الأب والأم في الموافقة على زواج طفلهما القاصر" (ص 196)، وفي هذه إجماع الفقهاء، ولذلك لا حاجة إلى الرد على هذه التفاهات المبغضة فهي طبقا لمنهجية التتبع للأحكام الإسلامية التي بقيت في المجلة كما أعلنوه في ندوة التقديم لتقريرهم. وفي خصوص العدة اعتبرت اللجنة أنه "قد عفا الزمن على العدة" (ص 155) معللين ذلك بأن الطب يسمح اليوم بتحديد النسب، مع ما في هذا الإجراء من فوائد أخرى فاقتصرت النظرة إلى الناحية الحيوانية، وهذا من مأتاه لا يستغرب. وكان من باب أولى إلغاء عدة الأرملة وعدة الفقدان. ومن الغريب العجيب تابعت اللجنة حربها على الأحكام الشرعية حتى في الواجبات الزوجية في تحديدها ومفهوم رئاسة العائلة بإلغائه. كما ناقضت مفهوم النفقة في الإسلام وحصرته في حال حاجة الزوجة لذلك... فلم تبق هذه اللجنة حكما شرعيا إلا وعكسته أو ألغته.
ولم تكتف اللجنة بمجلة الأحوال الشخصية حتى طالت المجلة الجزائية في فصلها 230 الذي جرم اللواط والمساحقة إذ لا ترى اللجنة موجبا لتجريم اللواط والمساحقة بين الرشّد (ص 42)... كما تعرضت لأحكام الكفر والردة والخروج على الإسلام داعمة كل أشكال الحرية على النمط الغربي الكافر الاستعماري.
في الختام لا بد من الإشارة إلى أن من أبرز التوصيات والتي تبناها الرئيس مسألة المساواة في الميراث. فاللجنة والرئيس يرون أن نظام الإرث هو نظام بشري أنتجه ابتداء الفقهاء فهي من المعاملات الدنيوية، "وليست من العقائد أو العبادات" (ص 18/19). وأن الفرق والمذاهب اختلفت في توزيع التركة فخلصت إلى أنه "يتعين التخلي عن التنظيم الحالي للمواريث برمته ووضع نظام جديد" (ص 186). فاقترحت اللجنة تغيير الميراث على النحو الذي يجعل علوية المساواة على التوصية الربانية قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، وتاركا علوية الوحي القرآن والسنة إلى خساسة علوية الدستور المستورد من الأعداء.
وبذلك يتبين من تقرير اللجنة بلا شك أن الرئيس إنما يسعى جاهدا بهذا المشروع إلى كسب مرضاة الغرب وأتباعه في بلادنا طامعا في مزيد من المديونية المذلة وفقا لتوصيات الاتحاد الأوروبي لسنة 2016، متناسيا مرضاة ربه الذي خلقه ورزقه من كل الخيرات. وليعلم الرخيص أن تونس لن تأكل بثدييها وإن سكت شياطين السياسة ودعمهم كل رويبضات العالم، فالحرية الحقة من تونس منبعها. كما أذكر الرئيس وأتباعه بمقولة تونسية شعبية شهيرة "العجوز هزها الواد وهي تنادي بأعلى صوتها العام عام صابة" (عام يغاث فيه الناس بعد عقود عجاف).
بقلم: أحمد طاطار (أبو يوسف)
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع