أعلنت الخارجية الأمريكية الخميس موقفها من المشاركة في محادثات أستانة الخاصة بالتسوية السياسية في سوريا والتي ستعقد في مدينة سوتشي الروسية، وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، لوكالة "سبوتنيك"، إن بلاده لن تشارك في محادثات أستانة حول سوريا بصفة مراقب أو أي صفة رسمية، وأوضح المسؤول الأمريكي لا يزال تركيزنا على التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف وتحقيق تقدم كبير في هذه المفاوضات، وأضاف نحن نرحب بأي تخفيف حقيقي للعنف في سوريا يساعد على تهيئة الظروف لإجراء انتقال سياسي موثوق به، كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 2254، كما دعا الأطراف في عملية أستانة إلى إعادة توجيه جهودهم إلى عملية جنيف، ودعم جهود المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا دعما كاملاً.
إن تخفيف العنف الذي تحدث عنه المسؤول الأمريكي بالتأكيد ليس قصف الطائرات الروسية الإجرامية وقوات النظام المجرم، بل هو يقصد وقف العمليات العسكرية للثوار ضد النظام واستعادته للأراضي التي خرجت عن سيطرته، بانتظار إنزال الحل السياسي الأمريكي على الأوضاع في سوريا، إن أمريكاصاحبة اليد الطولى في سوريا وصاحبة النفوذ عبر نظام أسد لن تحضر أستانة وسوتشي ليس من باب عدم الرضا، بل هي راضية عن كل ما تحقق حتى الآن على يد الروس من تأمين عميلها أسد في دمشق، ولكنها كعادتها تحاول الآن بعد أن تم تأمين العاصمة سحب الملف من يد الروس بحجة قرارات الأمم المتحدة، والعمل الجدي لتحقيق الانتقال السياسي (الموثوق).
لقد كان الدور الذي أناطته أمريكابالروس دقيقاً ومدروساً بالتوازي مع العملية السياسية في جنيف وأستانة عبر خونة الائتلاف وهيئة التفاوض الذين كان لهم الدور الفاعل في مساعدة أمريكا على إعادة إنتاج النظام، وما كان للروس ومن خلفهم أمريكا أن ينجحوا لولا الضامن التركي الذي استطاع بالمال السياسي القذر الذي ربط به قادة الفصائل الذين أوقفوا الجبهات عبر الهدن الكاذبة وافتعلوا الاقتتال الداخلي فيما بينهم لتمرير مخططات القضاء على الثورة، تحت سمع وبصر الشرعيين الذين ما فتئوا يرقعون لكل مصيبة فعلها هؤلاء القادة وإيجاد المبررات الشرعية لهم.
إن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الجميع في ثورة الشام خصوصاً بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه، ما هو الحل لاستعادة الثورة نَفَسَها واستئناف ما خرج من أجله الناس وهو إسقاط النظام؟ وما هي الطريقة العملية للخروج من عنق الزجاجة في ظل الاحتلال متعدد الأشكال والألوان؟ وكيف يمكن للثورة أن تدفع عن أبنائها المخلصين الذين تجمعوا في إدلب الفناء والخراب؟
إن الشعب السوري البطل الذي خرج بهذه الثورة يرجو الخلاص من الطغيان وإقامة العدل الذي لا يكون إلّا بالإسلام، مطالَب أكثر من أي وقت مضى أن يتدارك ما جرى خصوصاً الانهيار الذي حصل مؤخراً في درعا والغوطة الشرقية، وذلك بتدارس الأسباب التي أوصلته لهذه الحالة، وعلى رأس الأسباب عدم اختيار القيادة السياسية المخلصة الواعية التي تجمع حولها المخلصين وتسير بالثورة إلى هدفها بإسقاط النظام، فالأمة التي سكتت عن قادة فصائل الثورة وهم يخرجون إلى تركيا والسعودية وقطر لجلب المال القذر بحجة دعم الثورة، وشاهدت بأم عينها كيف فعل هذا المال بثورتها من تفريق للصف واقتتال بين إخوة السلاح، والالتزام بالخطوط الحمراء، وضياع للتضحيات وهدر للطاقات، ها هي الأمة الآن تدفع ثمن سكوتها عن هؤلاء، فلا نصروا ثورة ولا حفظوا أرضاً محررة، وإننا إذ نخاطب أمتنا ليس من باب جلدها وهي التي قدمت كل ما تملك من خيرة أبنائها ومالها وممتلكاتها، ومنذ سبع سنين تعاني في مخيمات الذل صابرةً على هؤلاء القادة الذين أوردوها المهالك، ولكننا نذكرها بواجبها الذي افترضه الله عليها من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فقادة هذه الفصائل الذين ينفذون القرارات الدولية الظالمة بحق أمتهم وشعبهم ودون الرجوع إليهم، وهم في قمة الخسة والنذالة والتآمر مع أعداء الثورة الداخليين والخارجيين، قد رأى الجميع أنه لولا هؤلاء القادة لما استطاع النظام الدخول إلى درعا أو الغوطة أو ريف حمص الشمالي وتهجير أهله الصابرين، وما زال مستمراً في غطرسته يهدد ويتوعد إدلب بمصير أخواتها وكل ذلك مقابل ماذا؟ مقابل عرضٍ من الدنيا قليل!
إن معاني الصبر التي جسّدها أهل الشام في هذه الثورة والتي تنوء بحملها الجبال، كانت كافية لإسقاط النظام وما زالت، لو أنه تم تسليم القيادة السياسية للثورة إلى المخلصين الواعين من إخوانكم في حزب التحرير الذين ما بخلوا طوال سنين الثورة بالنصح وكشف المؤامرات قبل وقوعها، وبما يملكون من مشروع الإسلام العظيم مشروع الخلافة الراشدة، ورجال الدولة الذين صنعهم الإسلام ولم تصنعهم دوائر المخابرات الدولية والإقليمية، وما زال في الوقت بقية لتدارك ما فات واستعادة ما خسرنا فالنظام متهاوٍ وضعيف إلى حدٍ لا يمكن تصوره ولولا الضفادع وخيانات قادة الفصائل وارتباطهم لما استطاع النظام أن يتقدم، وأهل الشام يعرفون ذلك حق المعرفة، بل أصبح عندهم مفهوماً واضحاً عند الكبير والصغير، وأن ما خسرناه من أرض محررة كان بفعل الخيانة والتسليم وليس بقوة النظام، أما من يقول بأن المعادلة قد تغيرت وأن الروس موجودون بكل قوتهم فأذكرهم بمعارك كفرنبودة ومورك في ريف حماة الشمالي إبان دخولهم عام 2015 وكيف مرغ الثوار المجاهدون أنف روسيا وطيرانها وإيران ومليشياتها بالتراب ولم يستطيعوا أن يتقدموا شبراً واحداً، ولكن الذي اختلف بعد ذلك هو مساعدة النظام التركي والسعودي لروسيا لتسليمها المناطق وانسحاب الفصائل إلى الشمال، فالذي اختلف هو القرار السياسي الذي صادره قادة الفصائل لصالح الدول الداعمة في محاولةٍ لإطفاء جذوة الثورة وتخفيف لهيبها الذي أنهك النظام ووضعه على جرف هار.
يا أهلنا في الشام! إن أمريكا التي تمكنت من امتلاك أدوات الصراع في الطرفين عبر النظام وروسيا وطيرانها وإيران ومليشياتها من طرف، والمعارضة الخارجية وقادة الفصائل وداعميهم من تركيا والسعودية وقطر من طرف آخر، لا تريد بكم خيراً بل تريد الانتقام منكم لخروجكم على عميلها أسد، وتريد أن تجعل منكم عبرة لكل الشعوب الإسلامية، فلا تمكنوها من ذلك، والحل لكل ما نحن فيه واضح وضوح الشمس ما زلنا نعرضه عليكم لا نبتغي في ذلك إلّا مرضاة الله عز وجل بإقامة حكمه وتطبيق شريعته التي فيها عزّ الدنيا والآخرة، ووعد الله مستمر لنا بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض إن نحن سرنا كما أمرنا وصبرنا على ما ابتلانا فهو نعم المولى ونعم النصير ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد معاز
رأيك في الموضوع