(أبدى القائم بالأعمال بالإنابة لسفارة واشنطن بالخرطوم إيرفين ماسينغا لدى مشاركته في مؤتمر إلكتريك الذي أقيم بالخرطوم، أبدى ثقته في حدوث التقارب الاقتصادي المنشود في القريب العاجل، وتابع: نحن واثقون من أن ذلك سيحدث في المستقبل، لكن في الوقت نفسه، يمكن لحكومة السودان البدء في الإصلاحات الضرورية لخلق أساس أقوى للاستثمار الأجنبي..) صحيفة الأخبار السبت 12/5/2018م.
إن تصريحات هذا المسؤول الأمريكي تُعدُّ استخفافاً بأهل السودان، الذين يعانون من ضيق المعيشة وكابوس الغلاء، وانهيار العملة، بعد رفع الحظر الأمريكي، الذي أسقط ورقة التوت التي تغطي عورات وسوءات النظام الحاكم في السودان؛ ليعرف الناس أن المشكلة ليست فقط في الحصار الأمريكي، وإنما سبب البلوى هو النظام الرأسمالي الذي تطبقه أمريكا وتبشر به الدول، النظام الرأسمالي الذي يتحكم فيه صندوق النقد الدولي الأداة الاستعمارية، التي تُنهب بها ثرواتُ الشعوب الضعيفة، والسودان بلد غني، فقط يحتاج إلى إدارة رشيدة لثرواته وخيراته؛ التي يمكن أن تحقق رفاهاً اقتصادياً لأهل البلاد، ثم تصدر خيراته لتكفي شعوباً أخرى، وصدق القول: إن السودان سلة غذاء العالم، لما فيه من الثروات والخيرات، من الأراضي الزراعية الواسعة، والمياه السطحية والجوفية، وكذا البترول والمعادن المتعددة، وبلد بهذه الثروات لا يحتاج إلى مستثمر، بل يحتاج إلى إدارة مخلصة تتبنى نظاماً رشيداً.
من يقول إن الحل يكون بما يسمى بالاستثمارات الأمريكية فهو واهم، لأنه لا يخفى على أحد أن أمريكا دولة استعمارية طامعة في ثروات البلدان التي تسمى بالعالم الثالث، والسودان واحدة منها، وأمريكا لا تهمها إلا مصالحها، ولو أدى الأمر إلى إهلاك الشجر والحجر والبشر، وباليوم يكون قد مضى على ما يسمى بالرفع الكلي للحصار الاقتصادي الأمريكي على السودان سبعة أشهر، وأما الرفع الجزئي منذ الرئيس أوباما فقد تم ستة عشر شهراً، أي سنة وأربعة أشهر، والحال أصبح أسوأ مما كان عليه قبل رفع الحصار، وقد فشلت الحكومة في مواجهة الأزمات التي تعصف بالبلاد بعد رفع الحظر الاقتصادي، وأصبحت تركِّب الشماعات، وتطلق البالونات والمسكنات للناس بانفراج قريب للأزمة، إلا أن ذلك لم يُجدِ مع اشتداد ضيق المعيشة على أهل البلاد وهم في صفوف أمام المخابز، ومحطات الوقود، والحكومة لا تملك حلولاً للأوضاع، سوى التسول على أبواب الأمراء والملوك في الخليج، أو تمليك ثروات البلاد باسم الاستثمار للدول الغربية الاستعمارية.
وبرغم ذلك يواصل الأمريكان والحكومة الكذب على شعب السودان بأن المستقبل مع أمريكا أفضل، والحقيقة أن ما يسمى برفع الحصار الأمريكي ما هو إلا ورقة توت تغطي بها حكومة السودان فشلها وعجزها عن إدارة شؤون البلاد الغنية بالخيرات والثروات، وثغرة وجدتها أمريكا لاستغلال ونهب ثروات هذه البلاد باسم الاستثمار، فالأمريكان يريدون من الحكومة مزيداً من التسهيلات والتنازلات، والحكومة بتعطيلها للإنتاج، وتدميرها للمشاريع الزراعية مع إغلاق المصانع بالجبايات والضرائب، وتفريخ جيوش العاطلين عن العمل، تكون قد هيأت لأمريكا البيئة المناسبة للتدخل والتحكم في هذا البلد كما يريدون، ويتضح ذلك في مواصلة أمريكا استغلال وابتزاز حكومة السودان بحجج مختلفة منها محاربة (الإرهاب)، ثم ملف الحريات الدينية، وحقوق الإنسان، ثم موضوع سد النهضة الذي أدخلته أمريكا أخيراً ضمن مطلوبات رفع السودان مما يسمى بقائمة (الإرهاب).
إنَّ حل مشاكل السودان في الأساس يحتاج إلى إرادة سياسية، ومنظومة خصبة بالحلول والمعالجات، والحقيقة هي أن المعالجات الجذرية تكمن في الإسلام باعتباره النظام الوحيد القادر على قطع أيادي المستعمرين، ومحاسبة الفاسدين، مع القدرة على استثمار ثروات البلاد وتقديمها إلى أهل السودان بيسر وسهولة؛ لأن أحكام الإسلام تستند على رؤية مبدئية تقدم الحلول والمعالجات للمشاكل، تتبلور هذه الرؤية في شكل أحكام وتشريعات تحدد الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد الرعية، وكذا تحدد ملكية الثروات؛ سواء أكانت ملكيات عامة، أم فردية، ثم تبين هذه التشريعات كيفية توزيع هذه الثروات على كل أفراد المجتمع، وفق نظام دقيق ورشيد؛ يحقق العدل ويرفع الظلم ويحاسب الظالمين، وقد تحقق ذلك في دولة الخلافة الراشدة التي على سبيل المثال حكم فيها عمر بن عبد العزيز سنتين فقط وبالإسلام، فاستطاع أن يحقق الكفاية لكل رعيته، وكذا غيره من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم؛ الذين ما حادوا عن تطبيق الإسلام، واليوم يمكن أن تتحقق الرفاهية الاقتصادية في السودان عبر تطبيق هذه الأحكام، بإقامة دولة على أساس الإسلام التي سماها النبي عليه الصلاة والسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودانِ
رأيك في الموضوع