لا شك أن الهدف من إجراء الانتخابات النيابية - في أي بلد - إنما هو الوصول لاختيار مجلس نيابي حسب النظام الديمقراطي، المستند لعقيدة الغرب الكافر (فصل الدين عن الحياة) ثم تشكيل حكومة تدير شؤون ذلك البلد. وانتخابات العراق لهذا العام اعتراها الكثير من الخروق الفاضحة كالتزوير والتلاعب، وترهيب الناخبين واستخدام السلاح، أو إخفاء بياناتهم عمدا وبيع الأصوات علنا، وتعطيل أجهزة العد والفرز... ما يمكن أن يؤدي إلى إلغائها بالكامل. لكن رضا الإدارة الأمريكية بما أعلن من نتائجها - بدليل تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "أنها تتفق مع الممثل الخاص للأمم المتحدة" الذي دعا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى التحقيق "الفوري والشامل" في الشكاوى والمخالفات التي حدثت، ودليل آخر هو مباشرة بريت ماكغورك المبعوث الأمريكي إلى التحالف الدولي بمباحثات في العاصمة بغداد، في اليوم التالي للانتخابات - الأحد 13 أيار 2018 - مع عدد من القيادات العراقية للإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة. وليس هذا فحسب، بل إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني هو الآخر قدم لتشكيل ائتلاف شيعي يمهد لذات الغرض. (رووداو نقلا عن رويترز).
وبالعود إلى تشكيل الحكومة الجديدة، فإن دون ذلك مخاضات عسيرة يمكن إجمالها في محاور عدة:
أولها: الإلغاء الجزئي لنتائج 1021 محطة انتخابية داخل العراق وخارجه، بعد ثبوت حصول تلاعب فيها، قبل ساعات من إفادة لبعثة الأمم المتحدة في العراق بهذا المعنى، شمل الإلغاء كردستان، و5 محافظات أخرى هي (ديالى، صلاح الدين، كركوك، نينوى، والعاصمة بغداد). وكذا في الخارج في (أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، والسويد، وتركيا). (الحرة عراق). ولا ريب أن هذا الإجراء سيؤثر على مجمل النتائج النهائية المعلنة بالزيادة أو النقصان، وفي هذا ما فيه من ردود أفعال قد تكون عنيفة من قبل الفائزين والخاسرين معا.
وتشير تسريبات باكتشاف تلاعب في نتائج تصويت الخارج "والمشروط" بني على أساسه اقتراح بإلغاء تصويت نحو 250 ألف ناخب من بين نحو 10 ملايين شاركوا في الاقتراع. وتصاعدت مطالبات بأن يشمل الإلغاء التصويت الخاص، الذي يضم القوات المسلحة ونحو 900 ألف ناخب، ما يعني تغييرا جوهريا في نتائج الانتخابات، لكن قدرة اللجنة الحكومية على تطبيق توصياتها مشكوك فيها، في ضوء تمسك مفوضية الانتخابات بالنتائج التي أعلنتها..! (NRT).
ثانيها: تقارب نتائج الكتل الفائزة، وهامشية الفروق بينها، يعقّد الموقف لعجز أي منها عن تشكيل حكومة بمفردها مع شدة صراعهم لنيل الحقائب الوزارية. فقد حصل تكتل "سائرون" بزعامة الصدر على 54 مقعدا، وتحالف "الفتح" بقيادة العامري على 47 مقعدا، وائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العبادي على 42 مقعدا، أما تيار "الحكمة" بزعامة الحكيم فكان نصيبه 19 مقعدا.
ثالثها: تدخلات أمريكا في إجراءات تشكيل الحكومة بصرف النظر عن النتائج التي حصل عليها كل فريق. وتعارض ذلك مع سعي إيران حليفة أمريكا أو قل: شرطيها في المنطقة للم شمل الكتل الشيعية في جبهة واحدة، وتحجيم الكتل السنية، وتفريق الأكراد...! ضاربين بعملية الانتخاب عرض الحائط!
رابعها: الإجراءات الدستورية لتشكيل الحكومة، فقد حدد الدستور مهلة 90 يوما من إعلان النتائج النهائية حيث يدعو الرئيس الحالي معصوم البرلمان الجديد للانعقاد خلال 15 يوما من إعلان النتائج، لانتخاب رئيس له ونائبين، بالأغلبية المطلقة في الجلسة الأولى. ويليه انتخاب رئيس جديد بأغلبية ثلثي النواب خلال 30 يوما من انعقاد الجلسة الأولى. ثم يكلف الرئيس الجديد رئيس الوزراء - مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة. ويكون أمامه 30 يوما لإنجاز المهمة، وعرضها على البرلمان للموافقة عليها، فمنح الثقة لبرنامج الحكومة ولكل وزير على حدة في تصويت منفصل بالأغلبية المطلقة. وإذا فشل رئيس الوزراء المكلف في تشكيل حكومة ائتلافية خلال 30 يوما أو عند رفض البرلمان للحكومة المقترحة يتعين على الرئيس تكليف مرشح آخر بتشكيلها خلال 15 يوما.
ولإلقاء الضوء على طبيعة التحالفات المتوقعة، فإن الكتل الشيعية التي فازت في الانتخابات، عليها - في حال توافقها - تسمية رئيس للوزراء وهي كما أسلفنا: كتلة "سائرون" وتحالف "الفتح"، وائتلاف "النصر"، وتيار "الحكمة"، والتي حصل بينها لقاءات وتفاهمات، أشار إليها محمد المياحي المتحدث باسم كتلة الحكيم قائلا: "ستعلن قريبا تحالفا بينها تمهيدا لتشكيل الكتلة الأكبر فالحكومة المقبلة". لكن مصدرا آخر في البرلمان استبعد تحالف الصدر مع كتلتي المالكي والعامري. ورجح في المقابل حصول تقارب بين الصدر ومؤيدي العبادي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وربما كتلة إياد علاوي، والاتحاد الوطني الكردستاني. ويلاحظ غياب ائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي الذي خسر جمهوره حاصلا على 26 مقعدا، وفرصه قليلة للاتفاق أو التحالف مع الصدر لما بينهما - في المعلن - من اتهامات الأخير له بالفساد وتسليم البلاد لتنظيم الدولة في عام 2015. (رووداو).
ورغم تصدر تحالف الصدر نتائج الانتخابات، إلا أنه لن يكون قادرا على تشكيل الحكومة المقبلة لوحده، ويحتاج للتحالف مع كتل فائزة أخرى لتحقيق الأغلبية المطلوبة في البرلمان. وكل المؤشرات توحي بأن الصدر سيلعب دورا رئيسيا في تشكيل الحكومة المقبلة، وخاصة اختيار رئيس الوزراء ولعله يختار العبادي إذ هو الأوفر حظا، لأدائه في الفترة السابقة وهناك مرشحون آخرون، أقل حظا قد تطرح أسماؤهم من تلك الكتل الأربع الفائزة. ويرفع الصدر شعار "الإصلاح، والقضاء على الفساد، وتخليص مؤسسات الدولة من المحاصصة الطائفية". (سبوتنك عربي). وقد أشار ذلك المصدر المطلع إلى أن زيارة المبعوث الأمريكي "ماكغورك" تصب في ذات الاتجاه. (الشرق الأوسط).
وإن قادة الكتل الشيعية الفائزة خصوصا وباقي الفرقاء عموما يتقلبون في ولاءاتهم (كشيعة) بين إيران من جهة، وبين أمريكا باعتبارها الممسكة بزمام الأمور في العراق بحسب المصالح، ولا يظن كبير فرق بين جهتي الولاء إذ يصب أحدهما في قناة الآخر..! ولقد اعتاد (الشيعة) على الاستحواذ على الوزارات السيادية - كما يسمونها كالداخلية والنفط والخارجية، والتعليم العالي والمالية فضلا عن المخابرات والأمن الوطني والقضاء. نسأل الله تعالى أن يعجل بنصره لمشروع الأمة: الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وينعم علينا برجال يكون ولاؤهم لله ورسوله والمؤمنين ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع