يحتفل العالم بكافة دوله في كل عام بهذه المناسبة؛ مجددين ومؤكدين مطالبتهم بحقوق العمال، وإنصافهم من أرباب العمل؛ سواء أكان ذلك في ساعات العمل أم في الأجور، أم في ظروف العمل الإنسانية، ... أم غير ذلك، فما هي حقيقة هذه المناسبة العالمية؟ وهل حققت إنصاف العامل، ورفع الظلم عن كاهله؟ وهل ردعت أرباب العمل عن ظلم العمال وأكل حقوقهم، ومعاملتهم بما لا يليق بهم كبشر؟؟
وللإجابة على هذه الأسئلة نقول: في مثل هذه الأيام وقبل حوالي مئة وثلاثين عاما؛ أي سنة 1886م سارت المظاهرات العارمة في المدن الصناعية الكبرى في دول عدة وخاصة في أمريكا؛ أبرزها مدينة شيكاغو بلد الصناعات.. وكان السبب في ذلك هو تسلط الرأسماليين من أصحاب رؤوس الأموال على حقوق العمال؛ بزيادة ساعات العمل على العمال، وتخفيض أجورهم بشكل مستمرّ، وفي الوقت نفسه التحكم بسعر المنتجات لصالح أرباب العمل، وعلى حساب العمال وأجورهم...
ذكر موقع (يورو نيوز) الإخباري بتاريخ 1/5/2017: (أصل الاحتفال بهذا اليوم (عيد العمال الأول من أيار)؛ هو في شيكاغو؛ حيث حصلت نزاعات بين العمال وأرباب العمل؛ لتخفيض ساعات العمل اليومي إلى ثماني ساعات...)
لقد استطاع أرباب العمل من ملاك المصانع - عن طريق هذا القانون وهذه المناسبة - أن يخدعوا العمال مرة أخرى؛ عن طريق وضع حد أعلى لساعات العمل 8 (ساعات)، وأن يضعوا لهذه المناسبة يوما يُحتفل به كل عام... ولكن جوهر المشكلة لم ينته؛ لأن الجذور والأسباب التي ساعدت على تحكم الرأسماليين ما زالت قائمة، والجذور هنا هي أسّ الداء؛ وهي الحريات التي جلبت التحكمات بأنواعها، دون رادع ولا وازع؛ فأرباب العمل يتحكمون بأدوات الإنتاج (المصانع) والمواد الخام، وأدوات الطاقة؛ من بترول وفحم وكهرباء وغير ذلك... وأرباب العمل من أصحاب الشركات العملاقة هم الحكام والسياسيون المتنفذون، الذين يتحكمون بالأسواق وأسعار السلع، وغير ذلك... فبقيت المشكلة على حالها لم تعالج معالجة جذرية، إنما عالجوا بعض مظاهر وأعراض المرض المتعلقة بالأجور وساعات العمل...
إن هذه المناسبة في الحقيقة تقودنا للبحث عن أس الداء، وسبب البلاء الذي جلب على العمال الظلم والتسلط، ودفعهم للاحتجاج ورفع الصوت عاليا؛ رغم ما لاقوه من تنكيل وقتل وسجون...
إن مبدأ الحرية (الاقتصادية)؛ في التملك وتنمية المال والانتفاع بالمال هو الذي جلب على الرأسماليين الدمار والخراب الاقتصادي، فجعلت أصحاب العمل يتصرفون دون رادع ولا وازع.. وهذا نابع أصلا من المبدأ نفسه (فصل الدين عن الحياة وإطلاق العقل للتشريع)؛ لأنه لا يوجد ضابط ولا وازع عند أصحاب هذا المبدأ سوى (الحريات المفتوحة) على مصراعيها...
يقول الدكتور جلال أمين؛ أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية - القاهرة: (لقد أعطى النظام الرأسمالي للرأسماليين قوة مضاعفة على الاستغلال، إذ أصبح الرأسمالي قادرا بدرجة لم تكن متاحة له من قبل، على زيادة سعر السلعة؛ ومع زيادة السلع المنتجة أصبح التحكم في إدارة المستهلك... وشيئا فشيئا انضم المستهلكون إلى طائفة الخاضعين للاستغلال، إلى جانب العمال، وأصبح العمال يخضعون للاستغلال كمستهلكين...)..
وجاء في موقع الجزيرة نت: بتاريخ 12/1/2013 تحت عنوان "الأزمات تلاحق العالم الرأسمالي": (منذ عام 1971 إلى عام 2008 كان المسار الاقتصادي للرأسمالية؛ يشير إلى أن القطاع المنتج في تعثر كبير، وأن القطاع المالي هو الذي يسير في تصاعد بتسارع، إلى حدّ أن كل التقديرات تشير إلى أن 90% من الحركة اليومية للرأسمال تتمركز في القطاع المالي، وبالتالي فإن الاقتصاد الحقيقي لا يحظى إلا بنحو 10% من النشاط المالي... وهذا الأمر فرض أن تتحكم الطغم المالية بمجمل الاقتصاد، وبالسلطة في الدول الرأسمالية، وأن تفرض منطقها عالميا، - لكنه فرض كذلك - أن تصبح آليات النهب هي السائدة في مجمل النمط الرأسمالي...)
إن الغرب ما زال يعاني حتى يومنا هذا من ظلم النظام الرأسمالي في كل الأمور؛ سواء المتعلقة منها بالعمال أو بالرعايا على كافة شرائحهم، ويتعرض الناس للأزمات تلو الأزمات، والابتزاز المتعدّد المتجدد، وتقلبات الأسعار... إلى غير ذلك من مظاهر شريرة... فبعد أزمة العمال المتعلقة بالأجور وساعات العمل سنة 1886، حصلت أزمة الكساد الكبير سنة 1929، ثم حصلت أزمات متتابعة كان آخرها أزمة الرهن العقاري سنة 2008، وما زال العالم يعاني من ظلم النظام الرأسمالي حتى يومنا هذا، ولم يتعاف من الأزمات والحروب المدمرة بسبب جشع الرأسمالية وأطماعها... وقد خرجت سنة 2011 مظاهرات في ألف مدينة على الكرة الأرضية؛ تطالب بإسقاط هذا النظام والتخلص من رموزه المالية في وول ستريت وغيرها...
وما زالت المظاهرات في هذا اليوم (الأول من أيار) تسير في عواصم البلاد الرأسمالية وتردّد بالصوت العالي، وتهتف الهتافات نفسها التي هتفوا بها سنة 1886، في أول مناسبة ضد ظلم الرأسماليين، وضد القوانين الجائرة، وتطالب هذه المظاهرات؛ بمزيد من التحرر من ربقة الرأسماليين أرباب العمل، وبرفع الأجور، وتحسين ظروف العمل والعمال... فقد جاء في جريدة القدس بتاريخ 2/5/2017 تحت عنوان "مظاهرات واشتباكات حول العالم في عيد العمال": (خرج مئات الآلاف من الأشخاص في مظاهرات ومسيرات، بعدد من دول العالم؛ احتفالا بعيد العمال الذي يحل في الأول من أيار/مايو من كل عام... وشهدت روسيا وفرنسا وتركيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والفلبين مظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف، إضافة إلى مظاهرات في دول عربية؛ مثل لبنان والمغرب وقطاع غزة...).
إن هذه المناسبة (الأول من أيار) تقرع عقول البشرية في كل عام وتنبههم إلى أمرين مهمين؛ الأول: فساد النظام الرأسمالي، وظلمه على كافة المستويات، ومنها العمل والعمال، وضرورة التخلص من شروره. والثاني: حاجة البشرية إلى النظام البديل لهذه النظم الظالمة... وفي الوقت نفسه فإن هذه المناسبة تقرع عقول أمة الإسلام بشكل خاص، وتدفعها - وهي صاحبة المبدأ العادل المستقيم - لتحمّل مسؤوليتها، وشهادتها على الناس؛ بنشر مبدأ الإسلام العادل الرحيم؛ لتخليص البشرية من ظلم هذا النظام.
إن هذه الحقائق وغيرها لتدفع أمة الإسلام، لإعادة مجد الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى هدمها وزوالها (السابعة والتسعين)!! إنه لحريٌّ بأمة الإسلام أن تعيد عزتها، وتنقذ نفسها مما هي فيه من ظلم الأنظمة الرأسمالية؛ المطبقة عليها في كل نواحي الحياة... ثم تحمل هذه الرسالة كما حملتها من قبل إلى كل الشعوب والأمم على وجه الأرض؛ لتخلصها من أسباب الظلم المستشري على وجه الأرض.
رأيك في الموضوع