أصدر بنك السودان المركزي يوم الأحد 04/02/2018م، حزمة قرارات مالية جديدة، أبرزها القرار القاضي برفع سعر الدولار التأشيري للمرة الثانية خلال أقل من شهر، من 18 جنيهاً، إلى 30 جنيهاً للدولار، وذلك في نطاق يتراوح بين 28.5 إلى 31.5 جنيهاً للدولار، علماً بأنه حتى كانون الثاني/يناير 2018م، كان سعر الدولار التأشيري حوالي 8.5 جنيهاً فقط! وكانت الحكومة قد بدأت في السنة المالية 2018، بزيادة لسعر الدولار الجمركي من 6.9 جنيهاً إلى 18 جنيها، وهي زيادة تصل إلى أكثر من 200%، كانت ثمرتها المباشرة أن قفز سعر الدولار في السوق الموازية في غضون شهرين من 22 جنيهاً إلى حوالي 45 جنيها، تحت وطأة تشديد القبضة الأمنية، بملاحقة تجار العملة، وإحكام البنك المركزي قبضته على السلع المستوردة من خلال ربط عمليات الاستيراد بموافقته المسبقة، بناء على أن الدولار المستخدم في الاستيراد هو الدولار الشرعي - حسب زعمه - المتداول داخل النظام المصرفي، في محاولة لإضعاف جدوى الدولار المستخدم في السوق الموازية لخفض الطلب عليه، حتى يظل السعر الموازي قريباً من السعر الرسمي.
والسؤال هو، ما هي حقيقة هذه السياسة المالية المتسارعة، والتي أثارت حتى دهشة خبراء الاقتصاد، والتي كانت ثمرتها المباشرة انهيار الجنيه السوداني، وسرقة مدخرات الناس، وحالة من الغلاء غير مسبوقة، تطحن الناس طحناً؟! ولمصلحة مَنْ تُضعِف الحكومة فلكيا العملة المحلية، وتضيّق على الناس في معاشهم؟! وما هي النتائج المرة جراء استمرار الحكومة في هذه السياسة التخريبية؟!
في يوم الخميس 14 كانون الأول/ديسمبر 2017م غادر الخرطوم وفد من صندوق النقد الدولي، بعد أن أخرج تقريره السنوي عن الاقتصاد السوداني، الذي قدّم من خلاله، خارطة طريق للانتعاش الاقتصادي، حسب زعمه، بعد انفصال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011م، وقد أمر الصندوق، حكومة السودان، في خارطته هذه بالآتي:
1/ تحرير أسعار الصرف بالكامل في مطلع عام 2018م (تعويم الجنيه).
2/ إلغاء دعم الكهرباء والقمح بين عامي 2019- 2021.
3/ زيادة الإنفاق (الاجتماعي) بدءا من عام 2018م فصاعداً، لتخفيف آلام التكيف مع الإصلاحات "وهذا من قبيل ذر الرماد في العيون".
إن الحكومة تسعى لتعويم الجنيه السوداني في ظل خزانة نقد أجنبي، ينسج فيها العنكبوت، وسياسات تحارب كل أشكال الإنتاج وتلاحقها، حتى تجعله أثراً بعد عين، في الوقت الذي تسلم فيها ثروات البلاد المهولة، في شكل مواد خام للمستثمر الأجنبي... ثم الأنكى من ذلك أنها ترهن اقتصاد البلاد لروشتة صندوق النقد الدولي. إذاً فهي تشعل المحرقة للبسطاء والفقراء من الناس، لتقضي عليهم، حال كونها تنتحر سياسياًّ.
إن مسارعة الحكومة بالدخول الكامل في طاعة صندوق النقد الدولي، والبدء في تعويم الجنيه السوداني، دون النظر إلى عواقب هذه السياسة، لهو مقتلتها العظيمة، فالانصياع التام لروشتة الصندوق؛ بتعويم الجنيه، ورفع ما يسمى بالدعم يعني الآتي:
1/ حالة الغلاء غير المسبوقة، وسحق البسطاء والفقراء، ما يعني عجز الناس عن توفير حاجاتهم الأساسية؛ من مأكل وملبس ومسكن، ولا أحسب أن حكومة تمتلك القدرة على الاستمرار طالما كانت تحارب الناس في حاجاتهم الأساسية.
2/ استمرار تراجع قيمة العملة المحلية، مع انعدام الاحتياطي، وضعف الصادرات، وتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية.
3/ رهن البلاد بالكامل للمستثمرين الأجانب، والشركات العابرة للقومية، ومنها الشركات الأمريكية بالطبع، التي يسيل لعابها لثروات البلاد، وهذه جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائم هذه الحكومة.
4/ نجاح صندوق النقد الدولي - وكيل الشركات الرأسمالية الكبرى - في هيكلة اقتصاد البلاد، ليسهل عليهم نهب ثروات البلاد، يعني المزيد من القروض الربوية، التي أفقرت البلاد والعباد، ومحقت ثرواتها محقاً، بعد أن وصل الدين الخارجي للسودان إلى 52.4 مليار دولار، يعني 111% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2016م.
5/ تحول من يبقى من أهل البلاد من جيوش عاطلين عن العمل، إلى عبيد في شركات ومزارع المستثمرين الرأسماليين، حيث لن يجني أهل البلاد، سوى المزيد من الفقر، وضنك العيش والأمراض والأوبئة.
ولعل المفارقة الغريبة أن الرئيس البشير، عندما سأله الإعلامي الطاهر التوم، في برنامجه في فضائية النيل الأزرق، عن الكتاب الذي بين يديه الآن، قال البشير: (إنه يقرأ كتاباً مهماً وخطيراً، هو كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم، اعترافات قرصان اقتصادي" للقرصان الاقتصادي جون بيركنز، خبير سابق في صندوق النقد الدولي، حيث كشف الكاتب، كيف يتم اغتيال الأمم اقتصاديا، عبر مصيدة الديون الربوية، لتمويل المشاريع الفاشلة، وهو عينه ما يمارسه البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذان ترتمي الحكومة في أحضانهما بالكلية!
إن هؤلاء الحكام إنما يتقربون بالبلاد والعباد للغرب الكافر الرأسمالي، يرجون رضاه، واستمرارهم في كراسي الحكم، لذلك يجب العمل على تغييرهم فوراً، وإقامة نظام الإسلام، في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة حيث الحاكم مخلص لدينه وعقيدته وأمته، يقوم فيهم راعياً، يوردهم مواطن الطاعات والعزة والرفاه، ويحقق مصالحهم، ويدفع عنهم الضرر والبلاء.
بقلم: الأستاذ أبو علي حاتم جعفر – الخرطوم
رأيك في الموضوع