وصل نائب وزير الخارجية الأمريكي، جون سوليفان، إلى السودان يوم الخميس 16/11/2017م، والتقى بوزراء الخارجية والمالية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، وممثلين عن وزارة الداخلية، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، بالإضافة إلى القائم بأعمال سفارة السودان في أمريكا، كما التقى بعدد من القيادات الدينية في جلسة مغلقة، ثم قدم محاضرة بقاعة الشهيد التابعة لجامعة القرآن الكريم، متحدثاً عن السياسة الأمريكية تجاه السودان. وقد ذكر موقع سودان تريبيون السبت 18/11/2017م أن المسؤول الأمريكي طلب في هذه المقابلة نقلاً عن (سودان تايمز) الحكومة السودانية بمراجعة وتعديل أو إلغاء عدد من القوانين، أبرزها التي تتحدث عن الحكم بإعدام المرتد عن دينه. كما دعا إلى إلغاء المادة الخاصة بالزي في قانون النظام العام، والتي تعاقب النساء بالجلد حال ارتداء ملابس غير محتشمة، وفقا لرؤية منفذي القانون من منسوبي الشرطة. ودعا للمحافظة على الحرية الدينية للجميع، عند صياغة دستور السودان الجديد.
جاء الرجل بأجندة جديدة لتنفّذها الحكومة السودانية بحجة رفع البلاد من القائمة السوداء الأمريكية، ولكن لا جدال في أنَّ أمريكا هي دولة استعمارية تزيد غطرستها على الدول التي تنحني لها وتركع أمامها وتقدم الخدمات الجليلة لها، وأنَّ أهم ما يزعج أمريكا في السودان هو الدين فهو يرتبط بكل الملفات، السابقة والحالية؛ السابقة فيما يسمى بمكافحة (الإرهاب)، ضمن المسارات الخمسة التي طلبت أمريكا من الحكومة السودانية تنفيذها وهي: ما يسمى بإحلال السلام في السودان، ومواصلة الجهود في مكافحة (الإرهاب)، وتقديم تسهيلات في وصول المساعدات الإنسانية لمناطق يسيطر عليها حملة السلاح في (جنوب كردفان والنيل الأزرق) والإسهام في إحلال السلام في جنوب السودان، وموضوع جيش الرب. أما الأجندة الحالية التي جاء بها نائب الوزير الأمريكي فأولاهما: موضوع الحريات الدينية وثانيها: قطع العلاقات مع كوريا. والقضية الأساسية هي إبعاد الإسلام عن الحكم والسياسة وما يؤكد ذلك: تصريح وكيل وزارة الخارجية، لمبعوث الحريات الدينية الأمريكي الذي زار السودان في 2015م حيث قال محاولاً توضيح عدم تبني الدولة لتنفيذ الشريعة بقوله: "السودان دولة ليست لها دين" (صحيفة اليوم التالي 05/08/2015م). وفي يوم الثلاثاء 23/5/2017م أبلغت وزيرة الدولة بوزارة العدل السودانية تهاني تور الدبة، مسؤول الحريات والأديان بوزارة الخارجية الأمريكية إيان تيرنر، باتجاه الحكومة لتعديل مواد بالقانون الجنائي، لتتسق مع الدستور، والمواثيق الدولية، من بينها المادة المتعلقة بالزي الفاضح، في القانون الجنائي، والمادة (8) المتعلقة بالحقوق الدينية والعبادة. (صحف الأربعاء 24/5/2017م). ويؤكد ذلك أيضاً، تصريح قطبي المهدي: «أمريكا اشترطت التخلي عن تطبيق الشريعة للتطبيع مع السودان». وما يزيد الأمر وضوحاً، ما جاء في صفحة منظمة هيومن رايتس واتش، بتاريخ 31/5/2012م، تحت عنوان: يجب إلغاء عقوبة الإعدام رجماً في السودان، نقلاً عن دانييل بيكيل، مدير قسم أفريقيا في المنظمة قوله: "لا يجوز رجم أحد حتى الموت. لا بد أن يُصلح السودان فوراً قوانينه التمييزية وأن يُلغي عقوبة الإعدام، وجميع العقوبات البدنية...).
فقد نفذت حكومة السودان كل ما طلبته أمريكا منها، على وَهْمِ رفع السودان مما يسمى بقائمة الدول الراعية (للإرهاب)، ولكن ها هو نائب الوزير يأتي هذه المرة بمطلوبات جديدة إضافة إلى ما سبق. قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
أثبتت الأوضاع بالأدلة القاطعة من الواقع والتاريخ أن أهل السودان لا ناقة لهم ولا جمل، في علاقات النظام مع أمريكا، ولا خير في تنفيذه لأجندتها، فها هو الجنيه ينهار بعد رفع العقوبات الاقتصادية مباشرة ويصل إلى حافة الثلاثين جنيهاً مقابل الدولار، وها هو وزير المالية يهدد برفع الدعم عن الخبز، ووزير الصحة يُقر بعجزهم عن توفير المال لاستيراد الدواء، فما هو الخير الذي جناه أهل السودان من رفع الحظر الأمريكي والحال يزداد سوءاً؟!
لا جدال في أن أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اتخذت من الإسلام عدواً منافساً لها في سيادة العالم؛ لأنه مبدأ له رؤية في الحكم والسياسة، وأمريكا تعلم شوق المسلمين لإقامة دولتهم ومدى الإيمان والثقة في أحكام دينهم. إنَّ الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي يُقلق أمريكا، لهذا تهاجم أحكامه وحدوده وتعمل على تغييرها، وتأمر حكام المسلمين بعدم تنفيذ حدود الرجم، والردة، والجلد، لا لأنها قاسية كما يدَّعون، فإنَّ ما فعلته أمريكا في فيتنام وأفغانستان والعراق، فاق حدود القسوة والقُبح والفظاعة، بل لأن هذه الحدود تعبر عن نظام سياسي ينافس المشروع الأمريكي. فمشروع أمريكا لا يرضى بإسلام يتدخل في تفاصيل الحياة، بل يريد (إسلاماً) ينحصر في الأمور التعبدية الفردية، من صلاة، وصوم، وحج، وتسبيح، وذِكْر... فإن ذلك لا يُزعج أمريكا، وقد عملت الحكومات في بلاد المسلمين على الانجراف مع التيار الأمريكي، بل وكثير من الأحزاب عملت على توفيق أوضاعها لتتوافق مع المطلوبات الأمريكية عبر إسلام لا يزعج أمريكا ولا تثار فيه قضايا الحكم والسياسة!
إن الحقيقة الواضحة هي أن أمريكا ليست من يحدد لنا ماذا نطبق من ديننا، وماذا لا نطبق، فالمسلم مقيد بأحكام شرعية تُطبق حسب التوجيهات الإسلامية لا على هوى الحكام أو المحكومين، ناهيك عن العدو الكافر. ثم إن السودان بلد غني برجاله وخيراته وثرواته لا يحتاج إلى أمريكا بشيء؛ لا في المواد الخام، ولا في الرجال، ولا في الحكم ولا التشريع، ولكن يحتاج إلى إرادة سياسية قوية مخلصة تفجر طاقات أهل هذا البلد عبر تطبيق الإسلام باعتباره منظومة تفضح مكر أمريكا، وتقطع الأيادي الاستعمارية العابثة بثروات البلاد وخيراتها، وإن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ ناشرة النور والهدى، هي الجديرة بذلك.
فيا أهل السودان! سارعوا إلى إقامتها؛ فهي مبعث عزكم، وقاهرة عدوكم، وحكم ربكم، وبشرى رسولكم e.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع