انطلقت معركة حماة الأخيرة تحت اسم أطلقه الناشطون "يا عباد الله اثبتوا"، وقد بدأت المعركة دون الإعلان عن انطلاقها خلافاً لما اعتادت عليه الفصائل من إعلان انطلاق المعارك، وكذلك كانت حسابات الفصائل الرسمية صامتة لا تتبنى أي إنجاز عسكري هنا أو هناك، إلا أن توقيت هذه المعركة يأتي بعد انعقاد مؤتمر أستانة 6 بتاريخ 15/9/2017م، حيث تم التوصل إلى منطقة "خفض توتر" في إدلب، لينتهي بذلك مسار تلك المناطق بشكل تام، في حين ظلّ ملف المعتقلين والأسرى موضع خلاف بين الأطراف المجتمعة في العاصمة الكازاخستانية، على أن يُطرح للبحث في الجولة المقبلة.
وما هي إلا أيام على انطلاق المعركة حتى بدأت تتكشف أسماء الفصائل المُشاركة في هذا العمل العسكري، وتتكشف النتائج المُحزنة لهذه المعركة، وبعد أن كانت قلوب الناس تهفو إلى انتصار عسكري على النظام المجرم، وانتصار سياسي على المجتمعين في أستانة، بعد هذا بدأت التساؤلات تُراود أهل الشام، فهل هذا العمل مُخططٌ له فقط لإلهاء الناس بمعارك خُلّبيّة؟ أم أن العمل فشل طبيعياً كأيّ عمل عسكري مُعرّض للنجاح أو الفشل؟ وهل هذه المعركة كانت لإقناع الناس بأنه لا طاقة لنا اليوم بأسد وجنوده؟ أم أنّها جولة في خضمّ معركة تستمرُّ حتى إسقاط النظام؟
وما هي إلا أيام على سكوت البنادق على جبهة حماة حتى بدأ الطيران الروسي يصب حممه على المناطق المحررة، حتى تلك التي لم يكن قادراً على استهدافها لقُربها من الحدود التركية، فبعد اجتماع بوتين بأردوغان في قصره يوم الخميس 28/9/2017م بدأت الطائرات الروسية تُنفذ غاراتها الحاقدة على أهل الشام مستخدمة الأجواء التركية كما حصل في بلدة حارم، وأوقعت العديد من المجازر التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، إضافة إلى استهداف الطيران الروسي لمقرّات عسكرية لفصائل شاركت في أستانة، كما حصل عندما قصفت مقرّاً لفيلق الشام في تل مرديخ، وتبقى التساؤلات من غير أجوبة واضحة لا عند المُشاركين في أستانة ولا عند الرافضين المشاركة، تُرى لماذا يستهدف الطيران الروسي المدنيين؟ أليس من المنطق أن يعمل الروس على إقناع الناس أنهم حمامة سلام وليسوا جزّارين كما اقتنع بذلك من شاركهم المؤتمرات في أستانة؟ ثمّ لماذا تَقصف مقرّات الفصائل التي شاركت في أستانة، وقد شاع أنها تسلّمت خريطة بمقرّاتهم تجنباً لقصفها؟ أم أن الفصائل لم تُنفذ ما تمّ الاتفاق عليه سرّاً في أستانة فتمّت مُعاقبتها؟ ثم ماذا عن تركيا؟ كيف تسمح للروس باستخدام مجالها الجوي لقصف الناس؟ أم أن النظام التركي أصلاً هو مُتآمرٌ على الثورة لكنّه يدّعي صداقتها زوراً؟
كثيرة هي الأسئلة التي برزت في الآونة الأخيرة، فبعد اشتداد القصف ووقوع العديد من المجازر، انقطعت فجأة الطلعات الجوية باتجاه الشمال، بعد اشتعال معارك البادية مع تنظيم الدولة الذي استطاع أن يُحرز كثيراً من التقدم على حساب نظام أسد، فهل توقّف القصف ليقوم الروس بمهمتهم في الطرف الشرقي فيصبّوا حممهم على دير الزور؟ أم أن هناك اتفاقاً استطاعت المعارضة التوصل إليه مع الروس لوقف القصف على إدلب وريفها؟ وهل المعارضة التي استهدفها الطيران الروسي بعد حضورها الأستانة قادرة على إقناع الروس بتوقفهم عن القصف؟ أم أن روسيا هي من عاقبت الحاضنة الشعبية على احتضانها من تصفهم بـ(الإرهابيين) كما كان يفعل نظام أسد منذ انطلاق الثورة؟
أودُّ هنا أن أذكر عديداً من الحقائق علّها تُجلّي الصورة عن هذه التساؤلات وتضع القارئ في صورة ما يجري، فإن فهم الأحداث التي تجري في العالم لا بدّ أن يكون من وِجهة نظر الإسلام، والقرآن الكريم قد قرّر لنا حقائق عن أعدائنا لا بدّ أن تكون مُعيناً لنا لتجلية الصورة وانقشاع الغبش، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وقال أيضاً: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، فهذه حقيقة أعدائنا، فهم لن يقبلوا بالتنازلات الشكلية التي يُحاول البعض أن يسترضيهم بها، وما تحمله صدورهم من حقد وغلٍّ على المسلمين لهو أكبر مما نراه يصدر من أقوالهم وأفعالهم، وعلى هذا فيجب الحذر من الانجرار في دهاليز مكرهم، والحذر من الوقوع في فخاخهم ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾.
والحقيقة الأخرى عن أعدائنا هي أنهم لا عهد لهم ولا ذمة، وقد كان هذا جليّاً عند أهل الشام عندما قامت بعض الفصائل بتوقيع هدن مع النظام المجرم، فقد شاهدوا غدر النظام، وهم قبل ذلك يعرفونه فهو النظام الذي سامهم سوء العذاب، فاعتقل أبناءهم وكمّم أفواههم وقتّل شبابهم وأفسد عليهم عيشهم، كيف لا وقد خرجوا بصدورهم العارية يبغون إسقاطه بكل أركانه ورموزه، وما الروس اليوم إلا نسخة مُكبّرة عن النظام، وواجهة مُصغّرة عن المجتمع الدولي الذي تتزعمه رأس الكفر أمريكا.
وأخيراً فإن القاصي والداني والصغير قبل الكبير بات يعلم أن إسقاط النظام لا يكون إلا في دمشق، مع ضربات تُلهيه أو تُوجعه في الساحل، وأن كلّ معركة لا تهدف لذلك فهي معركة تُضيع الجهد، وتهدر التضحيات، وأن الهدن مع النظام تُعطيه الوقت لمزيد من المكر والتخطيط للانقضاض على أهل الشام وإنهاء ثورتهم، وأن المُستهدف من كل هذا المكر هم أهل الشام، عامّتهم، فهم الخاسر الوحيد إذا ما قُضي على ثورتهم، وكذلك هم الفائز الوحيد إذا ما انتصرت ثورتهم، وهذا يتطلب منهم أن يستعيدوا سلطانهم فيأخذوا على يد القادة الذين انحرفوا عن الهدف وضلّوا الطريق، فيُعيدوهم إلى جادة الصواب وطريق الحق فيفوز الجميع برضا ربّ العالمين ﴿وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع