ستة أشهر منذ أن منّى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حكام السودان، برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، من قبل أمريكا، منذ العام 1997م، ظل حكام السودان خلالها يقدمون التنازلات، ويستجيبون للمؤامرات الأمريكية، طمعاً في الرضا الأمريكي، لدرجة أنهم كانوا يمنون النفس بأن الرئيس الحالي ترامب سيرفع عنهم العقوبات بنهاية الستة أشهر، إلا أنهم فوجئوا بقرار يمدد فترة (حسن السير والسلوك) والتي انتهت في تموز/يوليو 2017م، (حيث أقرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن السودان أحرز "تقدما كبيرا ومهما في الكثير من المجالات"، لكنها قالت إن الأمر يحتاج إلى 3 أشهر أخرى للتأكد من أن السودان عالج بشكل تام مخاوف واشنطن)، فأُسقط في أيديهم، وأصابهم الاكتئاب، فأصدر الرئيس السوداني قراراً بتجميد عمل اللجنة التي شكلت للتفاوض مع أمريكا حتى تشرين أول/أكتوبر القادم. وصرح وزير الخارجية غندور أنه (ليس لدينا ما نقدمه لأمريكا)، إلا أنهم نكسوا على رؤوسهم، وعادوا لبيت الطاعة ليقول غندور: (إن بلاده ستواصل التعاون مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مجال تبادل معلومات المخابرات). (العربية نت 13/07/2017م)
على الرغم من قرار الخرطوم تجميد عمل لجنة التفاوض مع واشنطن بشأن تخفيف العقوبات، فما الذي يجعل السودان يواصل تعاونه مع أمريكا، رغم كل ما قدمته من قرابين يطلب بها الرضا الأمريكي، فيكون الرد صفعاً متوالياً، ثم لماذا تؤجل أمريكا رفع العقوبات؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نعرض لبعض القرابين التي قدمتها حكومة السودان لأمريكا لكي ترضى عنها وترفع السوط عن ظهرها، فأخطر هذه القرابين التي قدمت لأمريكا هو تهديد وحدة البلاد بفصل جنوب السودان، وتهيئة بقية أقاليمه للتفتيت، حيث اعترف الرئيس البشير في مقابلة مع قناة (سي إن بي سي)، على هامش القمة الإفريقية بكيجالي العام الماضي، حيث قال: (إنهم وقعوا اتفاقية السلام للعام 2005م لإنهاء الحرب)، وقال: (لقد ضحينا بوحدة السودان، وانقسم إلى دولتين، وأن هدفنا الأساس كان تحقيق السلام... ولكن بكل أسف حالياً فقدنا الوحدة والسلام)، بل إن أخطر ما جاء في هذا الموضوع، ما قاله وزير الخارجية السوداني غندور يوم الخميس 13/04/2017م، حيث قال: (إن فصل الجنوب كان في الأساس مؤامرة قبلنا بها، وما يجري الآن هو نتاج هذه المؤامرة، ويتحملون وزرها كاملاً)، وذلك رداً على كلام وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، حيث قال لافروف: (إن إدارة أوباما طلبت من حكومة البشير الموافقة على تقسيم السودان إلى جزئين لمعالجة مشكلتها، مقابل عدم تقديمه - أي البشير - إلى المحكمة الجنائية الدولية)، وقال: (انفصال الجنوب كان مشروعاً أمريكياً من قبل إدارة أوباما).
أما ملف مكافحة (الإرهاب) أي الإسلام، فإن انخراط السودان فيه بشكل كامل واضح كل الوضوح، وصل إلى درجة أن تسلم الحكومة البلاد على طبق من ذهب للمخابرات الأمريكية، فبحسب تقرير لـ (أفريكا إنتلجنس) بعنوان: (تصعيد التعاون الاستخباراتي بين السودان وأمريكا) كشف عن اتفاق بينهما على استضافة الخرطوم محطة لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، ضمن شراكة لمكافحة (الإرهاب). ومشاركة السودان في الحرب على الإسلام المغلف باسم الحرب على (الإرهاب)، يظهره مركز السلام الأمريكي، فقد أوردت جريدة الرأي العام الصادرة في الخرطوم في 03/02/2017م (حيث يرى مركز السلام الأمريكي أن السودان أفضل بوابة لسياسة ترامب تجاه أفريقيا).
ونأتي للإجابة عن لماذا تؤجل أمريكا رفع العقوبات عن السودان، رغم ما يقدمه السودان من استخذاء وتعاون معها، فنقول: إن هناك مطالب أمريكية ما زالت لم تنفذ بالكامل، وإن انخرط الحكام والسياسيون في هذا البلد المنكوب بهم، في السير على تنفيذها، وهي إقصاء الإسلام بالكلية حتى الشعارات، والعمل على علمنة البلاد عبر تغيير القوانين، بل تغيير حدود الله (حسبنا الله ونعم الوكيل)، والسير في مخطط تمزيق ما تبقى من السودان، عبر الاتفاقات المشؤومة الملغومة شبيهة سيئة الذكر (نيفاشا). ثم إن أمريكا رأت تهافتاً غير مسبوق من قبل الساسة والحكام في السودان، فلماذا ترفع عنهم ما يرجون طالما أنهم تحت الضغط ينفذون ودون مقابل، يقدمون البلاد والعباد قرابين لمؤامرات أمريكا. أما ما الذي يدفع السودان لمواصلة التعاون مع أمريكا رغم عدم رفع العقوبات الأخيرة، فهو ما لا نفهمه، فقد ظلت أمريكا تمني هذا النظام، منذ اتفاقية الشؤم (نيفاشا)، برفع العقوبات، وتطبيع العلاقات، وكلما قدمت الحكومة تنازلاً، وأوفت بالمطلوب الأمريكي، زاد الصلف الأمريكي، طالباً المزيد من التنازلات، فما زال هذا النظام يثق في وعود عرقوب الأمريكية، وهو حال الذين قال الله فيهم: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا﴾، وستظل أمريكا تعدهم وتمنيهم، ثم لا تعطيهم شيئاً، وإن أعطتهم، فلن تعطيهم شيئاً ذا بال، فلا يستبعد أن ترفع العقوبات الاقتصادية الجزئية في تشرين الأول/أكتوبر القادم، ولكن سيظل اسم السودان في قائمة أمريكا للدول الراعية (للإرهاب)، مما يجعل السودان تحت الضغط الأمريكي الدائم، حتى يُمحى السودان من خارطة العالم، ليصبح دويلات متناحرة يسهل بلعها وهضمها.
فللعاملين والمخلصين من أبناء السودان، أوقفوا هذه المهازل، قبل أن يأتي يوم نندم فيه على تقاعسنا، ولات حين مندم، فجميعنا يعلم أن أمريكا دولة رأسمالية، لا يهمها إلا مصلحتها، وحتى وإن كانت هذه المصلحة على جماجم المسلمين، كما هو الحال اليوم، في العراق وأفغانستان وسوريا، وغيرها من بلاد المسلمين، فإن الواجب يفرض علينا جميعاً، أن نرفض هذا الخنوع من قبل حكامنا، فإننا أقوياء بديننا الإسلام، أعزاء به، فلا نحتاج لأمريكا أو غيرها، وإنما نحتاج لرضا الرحمن، ونسعى لإقامة دولة قوية، تقوم على أساس عقيدتنا، فتقطع يد الكافر المستعمر، وتطبق شريعة الرحمن في الأرض، وتقضي على طغيان الرأسمالية الزائفة، بعدل الإسلام، فهيا جميعاً نعمل من أجل إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فنعز في الدنيا، ونكون في الآخرة من الفائزين.
رأيك في الموضوع