منذ بداية الثورة على أرض الشام المباركة والغرب الكافر على رأسه أمريكا يحاولون إجهاضها والقضاء عليها بشتى الوسائل والطرق، فكانت تُعقد المؤتمرات والاجتماعات، من اجتماع لمجلس الأمن إلى الجامعة العربية إلى هيئة الأمم المتحدة، وكان الهدف من هذه الاجتماعات واحداً وهو إعطاء فرصة للنظام المجرم من أجل القضاء على الثورة وإعادة البلاد إلى حظيرته العلمانية... ولكن إصرار أهل الشام وعزيمتهم وسعيهم الجدي للتغيير، ساهم في انتقال شرارة الثورة لكل المناطق السورية، فكان فشل المخططات الخبيثة التي كان يديرها المجتمع الدولي..
إن تسارع الأحداث وانتشار الثورة بشكل كبير جعلت نظام الطاغية يتهاوى وخصوصاً بعد خروج مظاهرات في قلب العاصمة دمشق...
قامت أمريكا بتغيير قواعد اللعبة وكان لا بد من استخدام القوة المادية وضرب الثوار بيد من حديد، ولهذا الغرض يجب إيجاد شماعة تجعل النظام يستخدم قوته ضد المتظاهرين العزل، وبما أنه تلميذ أمريكا الكاذبة ويأتمر بأمرها فقد أعلنها حرباً على (الإرهاب) وراح يرتكب المجازر التي راح ضحيتها عشرات المتظاهرين بينهم نساء وأطفال..
هذا التحول المحوري الخطير جعل أبناء الأمة المخلصين في الجيش ينشقون عن هذه المنظومة المجرمة وينحازون إلى صف المتظاهرين من أبناء جلدتهم، مما جعل أهل الشام يبادرون أكثر من ذي قبل لإسقاط النظام المجرم، وخصوصاً بعد أن أصبح هناك قوة من المنشقين تحمي مظاهراتهم السلمية وتتصدى للشبيحة الذين كانوا يقتحمون المدن والبلدات لاعتقال المتظاهرين وترويع النساء والأطفال...
وهذا التغير الخطير أزعج المجتمع الدولي الذي وقف عاجزاً أمام إرادة الأمة، فقد باتت المنظومة العسكرية التي كانت تحمي النظام العلماني العميل عاجزة عن إخماد الثورة وفي الوقت نفسه ظهرت قوة جديدة منحازة إلى مبدأ الأمة..
فكان تدخل إيران وحزبها في لبنان في الأسبوع الأخير الذي كاد أن يسقط فيه نظام الطاغية، وهذا التدخل الخبيث مهمته ضرب الثورة عسكريا من جهة ومن جهة أخرى إظهار أن الحرب في سوريا حرب طائفية وليست ثورة شعبية ضد حاكم مجرم...
وهذا الأمر ساهم في تدخل الدول التي تدعي أنها جاءت لحماية أهل السنة الذين قتلتهم إيران وحزبها، فأغدقت على الفصائل المال السياسي القذر وصنعت بعض التكتلات والشخصيات كان ظاهرها أنها محسوبة على الإسلام وباطنها العلمانية المقيتة، فكانت الضربة القاصمة التي حرفت الثورة عن مسارها الصحيح وجعلتها تتراجع إلى الوراء على يد هؤلاء المجرمين، هذه الضربة لم تكن من أعداء الثورة الذين أعطتهم أمريكا الضوء الأخضر للقضاء على الثورة عسكرياً وعجزوا عن ذلك رغم التدخل الروسي بمنظومته العسكرية المتطورة واستخدامه للأسلحة الفتاكة، بل كانت الضربة من قبل من ادعوا زوراً أنهم مع الثورة، فساقوا الفصائل إلى المحافل الدولية بعد أن صادروا قرارهم وأجبروهم على تقديم التنازلات بكل حرفية خيانية اكتسبوها من خلال مسيرتهم المخزية في ركاب أمريكا والغرب الكافر..
وهذه الفصائل التي سارت في ركابهم فقدت بوصلة الثورة، فبدل أن تتوجه إلى دمشق لإسقاط النظام توجهت إلى الرياض لمفاوضته وأعادت له شرعيته وهيبته، ومن ثم إلى جنيف وتابعت سفينتهم المصنوعة من الدولارات واستمرت في سيرها على دماء الشهداء حتى وصلت إلى مؤتمر الأستانة، الذي تنص مقرراته على مكافأة المنظومة الأمنية والعسكرية المجرمة والمحافظة عليها بشكل كامل مع ذهاب رأسها فقط وإيجاد الرأس البديل الذي صنعته أمريكا ليصبح مكان الطاغية ويطبق النظام العلماني الذي تفرضه أمريكا، الذي ينص على مكافحة الثوار المخلصين تحت مسمى محاربة (الإرهاب)...
تزامنا مع هذا المؤتمر كان العالم كله يخوض حرباً شعواء ضد أهل الشام الثائرين، على كافة الأصعدة والمجالات السياسية والعسكرية والإعلامية...
فبينما يقوم النظام المجرم بقصف المدنيين بالغازات السامة وإلقاء البراميل التي تحوي مواد النابالم الحارقة، تقوم الأنظمة العميلة في دول الجوار كلبنان وتركيا والأردن بالتضييق على لاجئي سوريا، فكان تكثيف الاتصالات بين هذه الدول وأمريكا من أجل الضغط على الناس للقبول بما تفرضه عليهم في أستانة وما حصل في مخيم عرسال من قتل وحرق وتنكيل بلاجئي سوريا بعيد زيارة قائد القيادة الأمريكية الوسطى لوحدات الجيش اللبناني أكبر دليل على أن أمريكا راعية الإرهاب في المنطقة هي من تتحكم بخيوط اللعبة...
بينما يحصل كل هذا الإجرام بحق الثورة السورية، نجد قنوات الإعلام الخبيثة تنقل المعاناة التي يعانيها الناس في مخيمات الذل والعار دون تسليط الضوء على أسباب هذه المعاناة، فكانت تغطيتها للأحداث تتماشى مع السياسة الدولية لإضعاف الروح الثورية عند أهل الشام وجعل الناس يقبلون بأي حل تفرضه عليهم أمريكا من ناحية، ومن ناحية أخرى توجيه رسالة غير مباشرة لباقي شعوب المنطقة، مضمونها أنكم أيها الشعوب المقهورة إن فكرتم بالخروج ضد حكامكم الخونة فسيكون مصيركم كمصير أهل سوريا...
وتناست قنوات الإعلام الخبيثة أنه لولا جشع أمريكا الرأسمالية ولولا استعمارها الجائر لما خرجت هذه الثورات، ولولا سكوتها عن جرائم عميلها بشار الذي لم يترك سلاحا إلا وجربه ضد الثوار، لما حصلت كل هذه المعاناة التي يعاني منها أهل الشام، ولولا دخول روسيا المجرمة بأسلحتها الفتاكة ودخول إيران وحزبها في لبنان إلى سوريا وإخراج الناس من مدنهم وبلداتهم بالقوة، لما اضطر اللاجئون للخروج من بلادهم إلى مخيمات الذل في لبنان وتركيا والأردن...
إن ما يجري الآن للشعب السوري من قتل بالأسلحة المحرمة والتضييق عليهم في مخيمات النزوح وملاحقتهم أمنياً في كل البلاد بحجة أنهم (إرهابيون) ما هو إلا لكسر إرادة الثورة، ولتربية الشعوب التي تفكر في الخروج عن المنظومة الدولية، وللضغط على ثوار الشام من أجل أن يقبلوا بالحل السياسي الذي تفرضه أمريكا من خلال المؤتمرات والاجتماعات التي يشارك بها بعض الخونة وضعاف النفوس الذين يدعون أنهم يمثلون الثورة وما هم إلا أداة بيد أمريكا تحركهم كيف أرادت ومتى شاءت...
أيها الأهل في شام العزة والإباء:
لقد اجتمع العالم كله تحت قيادة رأس الكفر أمريكا وجاؤوا بقوتهم المادية للقضاء على جذوة الإسلام التي تكمن في ثورتكم المباركة، وها هم يقفون سداً منيعاً أمام عودة الخلافة على منهاج النبوة، ولا خلاص لنا إلا بأن نتمسك بمشروعنا الإسلامي ونجتمع خلف قيادة سياسية ربانية قادرة بإذن الله على جعل وقفتهم تنهار وقوتهم تنكسر، أمام من آمن وآوى ونصر. ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
بقلم: عبد اللطيف الحريري
رأيك في الموضوع