يقع مخيم عين الحلوة جنوب مدينة صيدا ويجانب الطريق البحري جنوب لبنان. عدد سكان المخيم يقارب الـ٨٠ ألفاً من أهل فلسطين وينتشر فيه السلاح بشكل كثيف. على مر السنوات توطدت العلاقة بين أهل المخيم وأهل مدينة صيدا تجاريا واجتماعيا وأمنيا، ويُعتبر استقرار المخيم له تأثير مباشر في استقرار صيدا. تسيطر على المخيم قوى متعددة تنقسم على النحو التالي: حركة فتح والتي تعد الأكبر تمويلا وسلاحا، وعصبة الأنصار التي تشكل القوة العسكرية الأكثر تنظيما، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وتنظيمات أصغر حجما مثل تنظيم جند الشام، وحركة الشباب المسلم.
تسيطر السلطة اللبنانية على حركة الخروج والدخول من وإلى المخيم عبر مداخل محددة. وبعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبنان في آخر شهر شباط ٢٠١٧ تم تشكيل قوة أمنية مشتركة تضم كافة الفصائل الرئيسيّة لضبط أمن المخيم بالتنسيق مع السلطة اللبنانية. ومع انتشار القوة الأمنية المشتركة داخل المخيم رفض مسؤول جماعة "الشباب المسلم" بلال بدر الانضواء تحت شروطها.
وفي بداية شهر نيسان الجاري، اندلعت جولة جديدة من المعارك بين جماعة بلال بدر وحركة فتح وهذه المرة اتخذت طابعا أشرس من ذي قبل. ونشر موقع الجنوبية الإلكتروني خارطة التبعية العسكرية داخل المخيم تحت عنوان "الدائرة الجهنمية في عين الحلوة"، وذكر الموقع أن بلال بدر يأخذ السلاح من مسؤول تنظيم "أنصار الله" جمال سليمان الذي يسيطر على مخيم "مية ومية"، كما ذكر الموقع أن جمال سليمان يتلقى الدعم من حزب إيران في لبنان.
ينظر حزب إيران اللبناني لمخيم عين الحلوة نظرة أمنية بحتة تتعلق بطريق الجنوب اللبناني. وأنه يجب أن يتم السيطرة عليه بأي ثمن. فمنذ سنتين تقريبا تم إخراج كافة المحسوبين على سرايا المقاومة المرتبطين بحزب إيران من داخل المخيم. ومنذ ذلك الوقت والوضع الأمني داخل المخيم مرتبك والمعارك تتجدد.
وفِي المعركة الأخيرة ظهرت بوادر انقسام بين القرار الرسمي اللبناني وقرار الأطراف المحسوبة على حزب إيران اللبناني، فبيد أن القرار الرسمي كان يصر على إنهاء ظاهرة بلال بدر إلا أن جماعة حزب إيران كانوا يجنحون بشكل مخالف للواقع نحو توتير الأجواء وتعقيد الملف بداية عبر اعتبار أن المعركة هي بين طرف علماني متمثل بحركة فتح وآخر إسلامي متمثل ببلال بدر والفصائل الإسلامية الأخرى. وبثت المواقع الإعلامية التابعة لحزب إيران الإشاعات عبر نسب تصريحات كاذبة لشخصيات داخل المخيم تهاجم السلطة اللبنانية وتتوعد بالقتل كمحاولة لاستنساخ سيناريو نهر البارد في عين الحلوة بين الفصائل الإسلامية والسلطة اللبنانية، وهذا كله مخالف للواقع؛ فالفصائل الإسلامية كانت تحاول الوصول إلى تسوية لإنهاء الملف بأقل الخسائر وتجنب توسيع المعركة.
وأما عن التفاصيل الميدانية للمعركة ففِي بدايتها كان تحرك عناصر حركة فتح بطيئاً جدا وكان الهدف هو القضاء على مجموعة بلال بدر. إلاأنه بعد أيّام تلقى كلا الطرفين الدعم من خارج المخيم. فلقد تم - وبشكل علني - استقدام عناصر إضافية لحركة فتح من مخيمات أخرى تحت مرأى ومسمع السلطة اللبنانية. وهذا يدل على أن ما يحصل داخل المخيم يتم طبخه والتخطيط له من الخارج لكن تنفذه عناصر في الداخل. وبعد معارك طاحنة وقصف جنوني على حي الطيرة لم تستطع حركة فتح التقدم داخل الحي وانتهت المعركة الأخيرة بالاتفاق على أن يتوارى بلال بدر عن الأنظار وأن تدخل القوة الأمنية المشتركة إلى حي الطيرة.
ومن غير المعلوم مدى تماسك هكذا اتفاق إلاأنه كان واضحا من التصريحات الرسمية في لبنان أن هناك أجندتين مختلفتين في معالجة موضوع المخيم؛ فحزب إيران اللبناني يريد السيطرة على المخيم، وأما حلفاؤه الذين يوالون أمريكا فلديهم أوامر في المحافظة على استقرار الوضع الأمني بعيدا عن الحسابات الفئوية.
إن أهل المخيم يرزحون تحت وطأة المعارك العبثية والتي لا قيمة لها. فتارة يتم زج المخيم في معارك جناحي فتح عباس ودحلان، وطورا بين حزب إيران والسلطة اللبنانية. والخوف من أن يتحول المخيم لصندوق بريد بين الأطراف اللبنانية مثلما كانت محاور طرابلس التبانة - جبل محسن. إن السلطة اللبنانية تقع على عاتقها المسؤولية الأولى فيما يتعلق بالوضع الأمني في مخيم عين الحلوة فكافة الأسلحة التي كانت تتدفقإلى داخل المخيم كانت تدخل على مرأى ومسمع من السلطة، وحتى اقتراح القوة الأمنية المشتركة تم الدفع به من قبل السلطة اللبنانية على أن تنسق أمنيا مع السلطة ذاتها. وأما محاولة القول بأن الصراع بين إسلامي وعلماني وأنه محصور داخل المخيم وأنه لا يوجد مطامع خارجية بالمخيم كل هذا الكلام هو تزوير للحقائق وتزييف للواقع.
بقلم: عبد اللطيف داعوق
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
رأيك في الموضوع