عقدت فرنسا مؤتمرا دوليا في ٢ كانون الأول تحت عنوان: "مؤتمر دعم الشعب اللبناني". وهذا المؤتمر سبقه المؤتمر الدولي لدعم بيروت الذي عقد في ٩ آب عقب انفجار المرفأ والذي تسبب بأضرار كبيرة في المدينة وأدى إلى استقالة حكومة حسان دياب.
تعاظم التدخل الفرنسي في لبنان بعد أن بدأت ملامح الضعف تظهر على حكومة حسان دياب منذ منتصف السنة. وكانت فرنسا تصرح أن تدخلها هو بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية. وبعد انفجار بيروت زادت فرنسا من تدخلها. فلقد زار الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان مرتين محاولا استغلال الموقف والضغط باتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط غير مرتبطة بالكتل السياسية التي تدين في معظمها بالولاء لأمريكا.
إن فرنسا وإن كانت تصرح بأنها تنسق خطواتها في لبنان مع الإدارة الأمريكية إلا أن الواقع ليس كذلك. ففي مجلس الأمن رفضت دول الاتحاد الأوروبي قرار أمريكا بإعادة العقوبات الأممية على إيران في منتصف شهر آب. وكان رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، قد اجتمع مع قياديين في حزب إيران اللبناني ويقول إنه يمثل جزءاً من "الشعب". إلا أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يقول: "لا نؤمن بأنّهم منظمة سياسية شرعية وإنّما منظمة إرهابية. المنظمة السياسية لا تملك مليشيات". وبخصوص الموقف من فرنسا قال شينكر: "نقدّر المبادرة والجهود الفرنسية لكن لدينا اختلافات صغيرة"، وقبله قالت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا "إن مقترحات الفرنسيين (المتعلقة بلبنان) تخصهم وحدهم". وهنا يتضح أن هناك تعارضا بين فرنسا وأمريكا فيما يتعلق بلبنان.
وعادت فرنسا في شهر أيلول الماضي وحاولت فرض حكومة وفق رؤيتها فتصدى لها عملاء أمريكا من خلال تمييع المطالب وإيجاد صراع فيما بينهم عبر تسمية مصطفى أديب رئيسا للحكومة ثم إفشاله في تأليفها. ونتيجة لذلك خرج ماكرون ووجه كلاما غاضبا إلى الطبقة السياسية في لبنان. وبعد اعتذار أديب عن تأليف الحكومة تمت تسمية سعد الحريري الذي تربطه علاقة مع الفرنسيين. وما زال لبنان حتى الآن تديره حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب وسعد الحريري لم يؤلف حكومة بعد. وكذلك فعلت الطبقة السياسية فيما يتعلق بالتدقيق في حسابات وزارة المالية في مصرف لبنان إذ تم استقدام شركة ثم إفشالها تحت حجة قانون السرية المصرفية.
أما تكليف سعد الحريري فكأن هدفه هو مجرد تقطيع للوقت إلى أن ينضج الموقف الأمريكي. علما أن سعد الحريري قد سبق وصرح بأنه سوف يؤلف حكومة اختصاص لكن دون حسم شكل الحكومة بشكل تام وما إذا كانت الحكومة ستكون حكومة تكنوسياسية أي وزراء اختصاص تتم تسميتهم من خلال الكتل النيابية، وهذا ما تفضله أمريكا، أم حكومة تكنوقراط أي وزراء اختصاص يسميهم رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية، وهذا ما تفضله فرنسا.
وفِي شهر كانون الأول هذا عقدت فرنسا المؤتمر الدولي وجل ما فيه وعود مكررة منذ مؤتمر "سيدر" سنة ٢٠١٨ والدعوة لم تتغير في موضوع الإصلاحات ومكافحة الفساد وتأليف حكومة قادرة على تنفيذ القرارات.
ودعمت كل من بريطانيا وألمانيا الموقف الفرنسي إذ تزامن المؤتمر مع زيارة وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط جيمس كليفيرلي إلى بيروت والذي كرر فيها المطالب الفرنسية نفسها، وأما ألمانيا ومن خلال الاتحاد الأوروبي تم إنضاج القرار الفرنسي مرفقا بورقة ألمانية ليتبناه الاتحاد الأوروبي بعيدا عن أمريكا كما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط. (يتوقع أن يصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بعد اجتماعهم في بروكسل غداً الاثنين، لأول مرة منذ ٣ سنوات، خلاصات الموقف المشترك، بناء على ورقة قدمتها ألمانيا إلى شركائها في الخريف الماضي. وتسعى الخلاصات إلى "تحصين المبادرة الشخصية" التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل زيارته الثالثة إلى بيروت قبل نهاية العام الحالي، وسط غياب للتنسيق المباشر مع واشنطن التي لا تزال متمسكة بسياسة "الضغط الأقصى"، وكان آخر تعبير عنها تحذيرات مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد هيل، خلال اجتماعات المؤتمر الدولي قبل أيام، من نفوذ إيران و"حزب الله" في لبنان. صحيفة الشرق الأوسط ٦/١٢/٢٠٢٠م).
وهكذا فإن مساعي أوروبا؛ فرنسا وألمانيا ومعهم بريطانيا هي للضغط على عملاء أمريكا والتأثير على القرار الأمريكي فيما يتعلق بلبنان ومحاولة تعرية عملاء أمريكا في إظهار أنهم ضد شعبهم وأنهم فاسدون وأنه يجب تغييرهم. في حين إن أمريكا تتريث في إنضاج أي حل لأزمة لبنان وجل ما قامت به قبيل انتخاباتها هو دفع رجالاتها في لبنان لبدء محادثات مع يهود تحت عنوان ترسيم الحدود البحرية.
وتبقى الدول الاستعمارية تتصارع فيما بينها عن طريق عملائها المحليين بهدف السيطرة على ثروات البلد عبر مؤتمرات دولية بعناوين دعم بيروت ودعم لبنان، ويدفع أهل البلد ثمن ذلك الصراع والمماطلة والفشل في إبراز أي حل يحقق مصالحهم. وحين يتم التوصل لحل يكون لمصلحة العملاء والدول التي تدعمهم!
نائب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
رأيك في الموضوع