بالرغم من إحجام كيان يهود عن الاعتراف باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة منذ أيام في طهران، إلا أنّ كل المؤشرات تؤكد على قيامه بذلك، فإدارة ترامب اعترفت بذلك صراحةً فنقلت وكالة CNN عن مسؤول في الإدارة الأمريكية لم يتم الإفصاح عن اسمه قوله: "إنّ (إسرائيل) تقف خلف عملية اغتيال العالم الإيراني الذي كان هدفاً لها لمدة طويلة في الماضي"، وأكّدت صحيفة نيويورك تايمز الكلام نفسه.
إنّ عملية الاغتيال هذه تُرسّخ حقيقة أنّ ما تتشدّق به أبواق الغرب عن حقوق الإنسان ما هو إلا زيف وأباطيل، وأنّها مسألة انتقائية بالنسبة لحقوق الإنسان خارج الدول الغربية، فهي تسير وفقاً للمصالح الغربية، فمثلاً نجد أنّ جميع الدول الغربية لا تكف عن الحديث عن حقوق المرأة في الدول العربية خاصة إذا كانت المعتقلة في سجون السعودية مثلاً سافرة حاسرة الرأس مثل لُجين الهذلول، التي لا تنفك وسائل إعلام هذه الدول عن الحديث عنها، في حين تتجاهل هذه الوسائل مأساة اعتقال عشرات العلماء الذين يقبعون في السجون السعودية لعشرات السنين لمجرد مخالفتهم لرأي (ولي الأمر)!
وفي الأسبوع الماضي فقط هرع سبعة سفراء أوروبيين دفعةً واحدة للإدلاء باعتراضاتهم على تقديم الهذلول للمحكمة، وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها على محاكمتها.
فحقوق الإنسان عندهم هي انتقائية ومصلحية وتتعطل فجأةً عندما يتعلق الأمر بكيان يهود، فلو كان عندهم شيء من النزاهة لطالبوا بمحاكمة كيان يهود على جرائمه بحق المدنيين، أو على الأقل لاحتجوا على اغتيال زادة بوصفه قتلاً يدخل ضمن بند النهي عن قتل المدنيين المنصوص على تجريمه في قوانينهم المنافقة.
هذا من ناحية كذب حقوق الإنسان وتهافت دعاواها، أمّا من ناحية رد فعل إيران كدولة وكحكام على جريمة اغتيال زادة فكان رداً مخزياً بالغ التخاذل، فهي في الوقت الذي أكّدت فيه ضلوع كيان يهود بعملية الاغتيال لم تجد سوى إطلاق التهديدات الجوفاء في الرد عليها، فقال رئيس الجمهورية حسن روحاني: "سنرد في الوقت المناسب" وهذا يشبه ردود الرئيس السوري بشار الأسد على ضربات طائرات كيان يهود المتكرّرة على المواقع السورية بقوله الممجوج: "نحتفظ بحق الرد"! وأمّا وزير الدفاع الإيراني فقال: "لن تمر هذه الجريمة دون عقاب"، فهذا النوع من الردود هو أفضل ما تتوقعه أمريكا وكيان يهود للمضي قُدماً في جرائمهما.
وما يُثير المزيد من العجب والاستهجان حول ردود فعل الدولة الإيرانية على جريمة الاغتيال هذه قول المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية علي الربيعي: "إنّ الاستخبارات الإيرانية حذّرت الحكومة الإيرانية قبل أشهر وقبل أيام بعملية الاغتيال"، فالاستخبارات والحكومة تعلمان بنوايا كيان يهود لاغتيال زادة ومع ذلك فهما لم يمنعا هذا الاغتيال!
وعجزت مؤسّسات الدولة الأمنية في إيران عن تقديم تفسير مُوحد لكيفية جريان عملية الاغتيال، وتنوّعت السيناريوهات التي تروي العملية، فمنها ما ذكر استخدام الأقمار الصناعية فيها، ومنها ما تحدّث عن استخدام ما بين ثلاثين إلى مائة وخمسين عنصراً في العملية، وثالث روى استخدام مدفع رشاش متطور يطلق نيرانه عن مسافة كيلومترات ويصيب هدفه بدقة، ورابع تحدّث عن تفجير وقطع الطريق الذي كانت تسير به مركبته، واستخدام الدراجات النارية في عملية الاغتيال، وأمّا علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي فلخّص العملية بأنّها: "عملية احترافية"!
وهذه التفسيرات المتباينة لعملية الاغتيال تُوضّح حقيقتين مؤكدتين:
الأولى: عجز القدرات الأمنية الإيرانية عن حماية العلماء والمنشآت الحساسة في إيران.
الثانية: تبرير الفشل في التصدي للعدوان بالكلام عن الإمكانيات المتطوّرة جداً لدى الأعداء كتلك التي استُخدمت في عملية الاغتيال والتي تعجز إيران عن مُواجهتها.
لكن مثل هذا العجز ومثل هذا التبرير والذي تكرّر في كل ردود فعل الدولة الإيرانية عند مُواجهة كل اعتداء هو في الحقيقة يُفسّر تخاذل حكام إيران الدائم إزاء عدوان أمريكا وكيان يهود على إيران، لأنّ هذا العدوان ليس هو الأول ولا يبدو أنّه سيكون الأخير، فكيان يهود قام بعملية اغتيال عالمين نوويين إيرانيين في العام 2010 ولم ترد إيران إذّاك عليها، وهو ما جعل كيان يهود يتمادى أكثر في العدوان، فقام بعد ذلك بعمليات عدوانية كثيرة منها السطو على إحدى المنشآت النووية والاستيلاء على نصف طن من الأوراق والسجلات السرية فيها، واستخدام المعلومات المستقاة منها في التشهير بإيران في الأمم المتحدة، وارتكاب جرائم جديدة ضدها.
ومنها تفجير أحد مفاعلات نتانز عبر عملائها في قلب المنشآت الحسّاسة جداً في إيران ولم ترد إيران على ذلك التفجير الخطير، وهو ما شجّع دولة يهود أكثر وأكثر، وأصبحت تقتل رجال إيران العسكريين في سوريا وعلى الحدود العراقية السورية بقصفهم بالطائرات.
فمتى سيأتي الرد الفعلي الإيراني على كل هذه الجرائم التي ارتكبتها دولة يهود؟
لقد عودتنا إيران على ما يُسمّى بـ(الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب) والذي لا يبدو أنّه سيأتي.
إنّ عدم رد إيران ليس ناشئاً عن ضعفها عسكريا، بل هو نتيجة خيانة حكامها وتبعيتهم لأمريكا، فهم ينجحون بالتنسيق مع أمريكا في قتل المسلمين في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن، ولكنّهم يعجزون في الرد على جرائم كيان يهود التي لا تنتهي، ويعجزون أيضاً عن الرد على جرائم أمريكا التي قتلت أحد أكبر المتعاونين معها وهو قاسم سليماني لمجرد تورطه في دعم مجموعات لا ترغب بها أمريكا في العراق.
رأيك في الموضوع