أعلنت حكومة جنوب السودان أن رياك مشار؛ النائب السابق لسلفاكير ميارديت؛ رئيس دولة جنوب السودان، لم يعد لديه أية فرصة للعب دور سياسي في الجنوب، وقال المتحدث الرئاسي (أتيني ويك) لـ بي بي سي، (إن مشار ليس له مكان هنا، ولا يجب أن يعود قبل الانتخابات المقررة في العام 2018م)، وأضاف: (لا أعتقد أن رياك مشار يمكنه مجرد التفكير في العودة للبلد قبل الانتخابات)، مؤكداً على أن (من الأفضل أن يبقى رياك مشار بعيداً عن المشهد السياسي في جنوب السودان) بي بي سي عربي. فهل هذه التصريحات تعني أن الأمور قد استتبت لأمريكا في جنوب السودان، وأنها أحكّمت قبضتها تماماً، بحيث لم يعد لبريطانيا فيه من سبيل؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لا بد من معرفة ما يجري على أرض جنوب السودان، ومعرفة ردود الفعل من جانب المعارضة، حتى نحكم بأن الأمر قد صار خالصاً لأمريكا أم لا.
إن المتابع لما يجري في جنوب السودان، يرى أن المعارك لا تزال تشتعل بين القوات الحكومية، وبين قوات المتمردين، تشتد حينا، وتهدأ حينا آخر، دون أن تكون الغلبة لأي من الفريقين، إذن، على الأرض لم يصبح جنوب السودان خالصا لأمريكا كما تريد، فما زالت قوات (مشار) تصارع قوات (سلفاكير). أما فيما يتعلق بردود الأفعال من قبل المعارضة، فقد تحدث (مشار) إلى البي بي سي من مكان إقامته في جوهانسبيرج، بجنوب أفريقيا قائلاً: "إن الفصيل المتمرد التابع له لا يزال بإمكانه التفاوض مع الرئيس (كير) للتوصل إلى اتفاق سلام" كما قال رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة، (إرنيه لادسو): "إن زعيم المعارضة نائب رئيس حكومة الجنوب السابق رياك مشار لم يمت سياسياً وإنه يمثل عنصرا مهما جداَ في مجتمع جنوب السودان". فمن الواضح أن أمريكا تحاول الضغط على مشار حتى يقبل بما تعطيه له، وكانت أمريكا قد ضغطت على (مشار) عبر الإيعاز لسلفاكير بتعيين تعبان دينق نائباً له بديلاً لـ (مشار)، وعندما لم يجد الأمر، سارت أمريكا في خطوات لجعل المجتمع الدولي يعترف بتعبان دينق نائبا لسلفاكير، فاستقبلته في الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره نائباً لرئيس حكومة جنوب السودان، بل سمحت له بمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتباره ممثلاً لرئيس دولة جنوب السودان (سلفاكير ميارديت). وقد انتقد المتحدث باسم المعارضة (مناوا بيتر جاتكوث) الولايات المتحدة الأمريكية، لاستقبالها (تعبان دينق)، حيث قال في تصريح لراديو تمازج "إن استقبال الولايات المتحدة لتعبان دينق يؤكد أنها ليست لها رؤية واضحة لحل النزاع في جنوب السودان" كما انتقد الأمم المتحدة أيضاً، لسماحها بمشاركة تعبان دينق في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
وما يؤكد أن ما تقوم بها الحكومة في جنوب السودان، ومن ورائها وأمامها أمريكا، ما هو إلا ضغوط للمعارضة، حتى تقبل بما تريده أمريكا، وما يؤكد أن أمريكا ما زالت تنتظر عودة مشار، ما جاء على لسان (فستوس موقاي)، رئيس مفوضية المراقبة والتقييم المشتركة (جميك) حيث قال: "إن اتفاق السلام الهش الذي وقع في آب/أغسطس من العام الماضي لا يزال على قيد الحياة، طالما هناك فصائل معارضة لا تزال تعمل في حكومة الوحدة الوطنية في جوبا" وأوضح (موقاي) للصحفيين بعد الاجتماع الجامع للمفوضية يوم الأربعاء الماضي أن اتفاق السلام لا يزال على قيد الحياة، لأنه هو الخيار الوحيد لجنوب السودان قائلاً: "إن مفوضية المراقبة تنتظر انضمام بقية مجموعة المعارضة إلى عملية السلام". وفي السياق ذاته قال (رياك مشار) في حوار لراديو تمازج في جوهانسبيرج إنه يجدد تمسكه بتنفيذ اتفاق تسوية النزاع، لكنه استدرك قائلاً: "إن الحل يكمن في قيام مبادرة سياسية تؤدي إلى إعادة اتفاق السلام إلى مجراه وكذلك إعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من جديد". وما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الحديث عن (مشار) ليس له مكان كزعيم سياسي في جنوب السودان من قبل حكومة الجنوب، وأنه حديث للضغط، وليس حقيقة، هو ما أوردته صحيفة الصيحة في عددها (771) الصادر بتاريخ الأحد 23 تشرين الأول/أكتوبر 2016م تحت عنوان (جوبا تتراجع) حيث جاء فيه: "في مبادرة غير متوقعة أعلن وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم حكومة جوبا (مايكل مكوي) استعداد جوبا لاستقبال مشار حال تخلى عن العنف". ووفقا لموقع (نايلو ميديا) فإن (مكوي) أكد بأن حكومته لا ترفض عودة (مشار) كما أشيع عنها قائلاً: "نحن لا نرفض عودة أي شخص ونحن ندعو كل الناس لترك الحرب والتقدم قدما في طريق السلام حتى يتسنى لنا الجلوس معاً والتفاوض من أجل السلام كسودانيين جنوبيين، ومشار مواطن جنوبي ومن حقه العودة إلى جوبا والانخراط في السلام".
هكذا حال البلاد التي تتحكم فيها القوى العظمى؛ التي لا هم لها أن يموت الناس، ويكفي أن التقارير الرسمية تقول بأن الذين لقوا حتفهم في الصراع الدائر بين مشار وسلفاكير، بلغ أكثر من خمسين ألفاً، أما الذين شردوا فهم بالملايين! فمتى يعود ساسة الجنوب إلى رشدهم؟ فيحفظوا دماء أهل الجنوب الذين لا ناقة لهم في هذا الصراع ولا جمل، ومتى ينفضون أيديهم، ويكفون عن التصفيق لمشاريع ومؤامرات أمريكا وبريطانيا. إن الواقع يقول إن ذلك لن يحدث في ظل ساسة ارتضوا أن يكونوا عملاء للغرب الكافر المستعمر، فهذا العمل يحتاج لرجال يحملون فكرة سياسية، تحرر البلاد والعباد من هيمنة الغرب المستعمر على القرار الأمني والسياسي هذه البلاد، وليس غير رجال الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، من يقدر على ذلك إن شاء الله، بأن يعيدوا جنوب السودان إلى شماله بأقصى سرعة، وضم السودان، مع بقية بلاد المسلمين تحت راية الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، القادمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع