الاقتصاد المصري هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم العربي، بعد السعودية، ويعتبر كذلك الاقتصاد الثاني في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، متخطياً الاقتصاد النيجيري، وهو من أكثر الاقتصاديات تنوعاً في المنطقة، حيث يتشكل من: الزراعة، والصناعة، والخدمات، والسياحة، وتعتبر مصر من أكبر مصدري القطن في العالم، علاوة على إنتاج الإسمنت، والبترول، والحديد والصلب، والكيماويات والأسمدة، وكذلك منتجات المطاط، والسكر المكرر، والتبغ، والأطعمة المعلبة، وزيت بذرة القطن... وغيرها من المنتوجات. وعلاوة على ذلك، فإن مصر تمتلك بنية أساسية متينة وشبكة للنقل والمواصلات، والاتصالات، ومصادر الطاقة، ومدناً صناعية حديثة، والمناطق الحرة، والأيدي العاملة الماهرة، وفوق هذا وذاك، يعتبر الشعب المصري من أنشط شعوب الأرض، وبعدد يزيد عن 90 مليون نسمة.
كل هذه الإمكانات يمكن أن تجعل من مصر دولة في مصاف الدول المتقدمة، ولكن هيهات! فإن نسبة الفقر في مصر، حسب ما أصدره الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) خلال المؤتمر الذي انعقد في 26/06/2016م: "أن الفقراء، وهم الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء يشكلون 27.8% من إجمالي عدد السكان"، وقد أكد اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن نسبة البطالة في مصر بلغت 12.8%.
إن هذه المفارقة تدعو للدهشة والاستغراب، وتدفع إلى الفضول لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه المفارقة، وقد يزول الاستغراب والتعجب إذا اطلعنا على إعلان البنك المركزي المصري الصادر في 5/03/2016م، والذي جاء فيه: (أن حجم الدين الخارجي قد بلغ 53.444 مليار دولاراً في الربع الثالث الذي انتهى في 31/03/2016م)، حيث ذكر أن أعباء خدمة الدين الخارجي خلال ثلاثة أشهر هو نحو 3.2 مليار دولار، وقال البنك إن إجمالي الدين العام المحلي بلغ 2.368 ترليون جنيهاً بنهاية كانون أول/ديسمبر من العام الماضي.
وأوضح البيان المنشور على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية، أن "قيمة الفوائد للسنة المالية الحالية بلغ 28.2% من إجمالي مصروفات السنة" أي أن الفوائد الربوية تلتهم أكثر من ربع المصروفات من الموازنة العامة، وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الفساد المالي والإداري، وعلى حسب ما ورد على لسان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبة في مصر، والذي تمت إقالته بسبب تصريحاته تلك، حيث ذكر أن حجم الفساد المالي والإداري في مصر يصل إلى 200 مليار جنيه سنوياً، كما ذكر أن بعض المؤسسات تعرقل عمل خبراء الجهاز، مما يحول دون كشف بعض وقائع الفساد، وذكر على سبيل المثال وزارة الداخلية.
وفوق كل ذلك نجد أن نسبة الضرائب في الموازنة العامة المصرية قد بلغت 68%، وتدهور الجنيه المصري أمام الدولار، فبعد أن كانت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار أكثر من دولار في العام 1989م، فقد بلغت قيمة الدولار اثنا عشر جنيهاً مصرياً.
أما المعالجات التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي سماها (صبح على مصر بجنيه)، والتي لم يستجب الشعب المصري لها، فإنها تصلح للاستفتاء على قبولهم له رئيساً، إذ إنها ليست عملاً جاداً لمعالجة مشكلة الاقتصاد، بل هي محاولة من السيسي للهروب للأمام، وتحميل الشعب المصري أوزار الفشل الاقتصادي، وتحميلهم أعباء الفساد المالي والإداري في البلاد.
إن ما تعانيه مصر الكنانة، رغم ثرواتها الظاهرة والباطنة، لا يمكن إصلاحه بمثل هذه الترهات، التي تؤكد عدم وجود رؤية اقتصادية واعية لمعالجة مشاكل البلاد الاقتصادية المتأزمة في مصر، بل إن مثل هذه المعالجات الخطيرة لا يمكن أن تساعد في إصلاح الاقتصاد، فالأمر يحتاج لعقلية سياسية واعية مخلصة، تدير هذه الثروات الضخمة التي تملكها مصر الكنانة، والانعتاق من التبعية السياسية والاقتصادية لأمريكا.
أما العلاج الحقيقي لمثل هذه الأزمات، فإننا ننظر للأسباب التي دفعت باقتصاد مصر إلى حافة الهاوية، وبإنعام النظر في هذه الأسباب نجدها كلها مخالفات شرعية، من معاملات ربوية، إلى الفساد المالي والإداري، والضرائب التي تفرض على السلع والخدمات، بالإضافة إلى استناد الجنيه المصري للدولار بدلاً عن الذهب والفضة، وكلها مخالفات شرعية، وباختصار فإن الذي وراء كل هذه الأسباب هو النظام السياسي الفاسد، الذي تمت شرعنته في البلاد، وأن الحل يكمن في نظام سياسي صالح، يزيل هذه المخالفات الشرعية، ويضع مكانها، بعد كنسها، معالجات الإسلام العظيم؛ ألا وهو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع