بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت مساء 15 تموز/يوليو، اتخذت تركيا مجموعة من القرارات وأدخلتها حيز التنفيذ. وكانت مثل هذه الإجراءات ستتخذ من قبل الفئة التي تمسك بزمام السلطة سواء أنجحت المحاولة التي أقدم عليها مجموعة ضباطٍ من داخل الجيش أو فشلت، ولا تختص بها تركيا وحدها، بل تقوم بمثلها جميع الدول التي تواجه مثل هذه الحالة. وبالتأكيد ستنعكس تأثيرات مثل هذا النوع من محاولات الانقلاب على العلاقات الخارجية للدولة. وتبادر الدولة الاستعمارية صاحبة النفوذ في البلد، ومنافسوها من الدول الأخرى إلى مجموعة من أدوات الضغط مثل حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية ووسائل الضغط والعقوبات وغيرها، ويعمل كل طرف على تحصيل مجموعة من النتائج لمصالحهم الشخصية.
كما هو معروف، تقوم الحكومة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات بشكلٍ سريعٍ جداً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت بها مجموعة من الضباط المغامرين الموالين للإنجليز يوم 15 تموز. وتجلت هذه الإجراءات تحت العناوين الرئيسة التالية:
أ- أزاحوا من الجيش الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب من داخل الجيش. وهكذا تم حتى اليوم قطع علاقة أكثر من 3.000 شخص مع الجيش.
ب- تم إجراء تغييرات في هيكلية القوات المسلحة التركية ضمن إطار قانون الطوارئ. حيث تم ربط كامل قيادة سلك الدرك وخفر السواحل بوزارة الداخلية، وتعيين هؤلاء من قبل وزارة الداخلية. وربط القوات الجوية والبحرية والبرية برئيس الوزراء.
ج- تم تسريح موظفي الدولة التابعين لجماعة فتح الله غولن التي يدعي النظام أنها متورطة في محاولة الانقلاب. وفي هذا السياق، تم تسريح وفصل ما يقارب 6.000 موظف.
د- تم اعتقال عدد كبير من القضاة ورؤساء المحاكم وقضاة النيابة العامة في جميع المجالات القضائية وفي الهيئة القضائية العليا والمتورطين أيضاً من أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
ه- تم إغلاق حوالي 2500 مدرسة وجامعة ومنظمة ووقف وشركات في القطاع الخاص، ومصادرة أصولها المالية. وضمن هذا السياق تستمر حاليا التحقيقات والاعتقالات وعمليات التسريح.
في أعقاب الإجراءات التي حاولنا إيجازها أعلاه صدرت جملةٌ من التصريحات من قبل دول ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، فقد قالت فيديريكا موغيريني الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي: "يجب حماية سيادة القانون من أجل سلامة الدولة... يوجد هناك حاجة لاحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية... لا يمكن أن تكون هناك دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تطبق عقوبة الإعدام". كما شدد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت على عدم استخدام محاولة الانقلاب كشيك مفتوح في عمليات التطهير ضد المعارضين في الجيش والقضاء. وأشار وزير خارجية النمسا سيباستيان كورتس إلى ضرورة بيان الحدود لأردوغان. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الفيدرالي الألماني نوربرت روتجن في اللقاء الذي أجراه مع جريدة 'Die Welt': "هذا يعني أن رئيس الجمهورية أردوغان يستخدم الانقلاب من أجل تدعيم وتوثيق سلطته أكثر داخل الدولة من خلال تعطيل المعارضة وآليات الرقابة".
من جانبه أدلى وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بالتصريح التالي لقناة "Habertürk" في يوم 18 تموز وذلك في معرض رده على التصريحات الأوروبية: "لا يحق لهم التحدث مع تركيا بمثل لهجة التهديد هذه، فنحن لا نأبه بتهديدهم... يحق لأعضاء الاتحاد الأوروبي أن يُبدوا رأيهم الخاص في موضوع عقوبة الإعدام... لكنهم إن تكلموا بشكلٍ يهدد تركيا؛ فإن هذا سيرتد عليهم. ويانكر (رئيس المفوضية الأوروبية) ليس قائداً لتركيا. يانكر ناقش معنا اتفاقية الهجرة فقرةً فقرةً، ونقطةً نقطةً... وتصريحه في سياق الشعبية بسبب التيارات التي تحدثت عنها قبل قليل. لذلك يجب النظر إلى تصريح يانكر هل قاله في الصباح أم بعد الظهر أم في المساء". وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شايفر على كلمات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو المتعلقة بالإعفاء من تأشيرات الدخول: "لا أعتقد أن هناك تهديداً بإلغاء الاتفاقية المتعلقة بالمهاجرين بين تركيا والاتحاد الأوروبي في أنقرة".
عندما ننظر إلى هذا النوع من التصريحات وإلى العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي سابقا، وإلى التطورات التي تشهدها هذه المنطقة وما تشهده تركيا بشكل خاص، يمكننا أن نقول الأمور التالية حول مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
- لم تصادق أوروبا على عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لأسباب مختلفة منذ عام 1963، ولم ترغب أوروبا بانضمام تركيا. وبعد محاولة الانقلاب، أصبحت هناك أعذار جديدة للاتحاد الأوروبي مع القرارات المتخذة بسبب إعلان حالة الطوارئ.
- إن اتفاقية المهاجرين التي تم إبرامها مع الاتحاد الأوروبي بسبب الأحداث في سوريا لها تأثيرٌ على العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وعلى موضوع العضوية. لأنه يشكل مشكلةً جديةً من وجهة نظر دول الاتحاد الأوروبي. ولن تقبل دول الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا بسهولة خصوصاً في ظل الأزمة السورية المتمادية. ولذلك هدد جاويش أوغلو الاتحاد الأوروبي بموضوع الإعفاء من التأشيرات.
- من ناحية أخرى، لن تنظر أمريكا المتأزمة لأقصى درجة بسبب المسألة السورية بحرارة إلى الضغوط الأوروبية على تركيا التي هي في حاجةٍ ماسة لمساعدتها. ولم تنس الدول الأوروبية بعد تفجيرات باريس وبروكسل. لذلك حضر جون كيري أيضا الاجتماع الذي تم عقده في بروكسل في 18 تموز لمناقشة التطورات بعد محاولة الانقلاب في تركيا.
ويمكن القول باختصار: إن الدول الأوروبية سترغب بتحييد موضوع دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي بسبب الإجراءات والقرارات المتخذة في أنقرة بعد محاولة الانقلاب، وإن استخدموا هذا الأمر كورقة رابحة، فلن يكون من السهل النظر إلى هذا الأمر من ناحية التطورات السياسية العالمية.
بقلم: محمد حنفي يغمور
رأيك في الموضوع