تتسارع الأحداث في جنوب السودان، منذرة بذهاب الأمور من سيئ إلى أسوأ، في ظل الصراع الدولي بين أمريكا وبريطانيا، والذي تصاعد في الآونة الأخيرة، فالرئيس سلفاكير قام بإقالة (6) من وزراء الحكومة الموالين لمشار، واستبدل بهم آخرين ينتمون إلى فصيل منشق عن حزب مشار، يقوده وزير المعادن (تعبان دينق)، والذي عُين نائباً للرئيس مؤخراً، مما عمق الخلافات بينهما، أي بين مشار وسلفاكير. وكان رد المعارضة المسلحة بزعامة مشار على خطوات سلفاكير، بأن حذرت من أن البلاد مهددة بالانزلاق إلى حرب أهلية جديدة، ما لم يتدخل الاتحاد الأفريقي، بعد إقالة ستة وزراء موالين لزعيم المعارضة. وقال الناطق باسم المعارضة مبيور قرنق دي مبيور، (نجل الزعيم الهالك جون قرنق)، إن القوات الموالية لرياك مشار مستعدة لدخول العاصمة جوبا إذا لم يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تدخل الاتحاد الأفريقي عسكرياً في جنوب السودان.
في ظل هذا الوضع المتأزم، تفكر الولايات المتحدة الأمريكية بوضع يدها بالكامل على الجنوب، عبر الوصاية الدولية، ولو كان في ذلك التضحية بعميلها سلفاكير، فقد اقترح المبعوث الأمريكي الأسبق لدولتي السودان وجنوب السودان، السفير برنستون ليمان وصاية دولية على الجنوب، مع إبعاد الرئيس سلفاكير، ونائبه رياك مشار، وإيجاد ما أسماه مخرجاً آمنا لهما من الملاحقة القضائية، وشارك ليمان في هذا الاقتراح بوب كروكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث قال: (إن رئيس الجنوب سلفاكير ومنافسه رياك مشار هما سبب هذه الفوضى في دولة جنوب السودان، ويستحقان أن يوضعا في السجن). وحتى تكون هذه الفكرة مقبولة للرأي العام في جنوب السودان، أوعزت أمريكا للأمين العام لحزب الحركة الشعبية الحاكم، وزعيم مجموعة المعتقلين السابقين (باقان أموم) للقيام بهذا الأمر، فأعلن باقان عن حملة لحشد الجهود الإقليمية والدولية من أجل فرض وصاية دولية على جنوب السودان، وقال أموم إنه يقود حملة مع عدد من أبناء جنوب السودان في الخارج من أجل شرح ما يحدث في جنوب السودان للمجتمع الدولي، والعواصم الإقليمية لضرورة التدخل، من أجل إجبار حكومة سلفاكير والقوى السياسية الأخرى على التخلي عن السلطة، وتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة شؤون الدولة خلال فترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة. واتهم باقان الرئيس سلفاكير بسوء الإدارة وتقويض اتفاق السلام.
يبدو أن التفاهم الذي تم بين أمريكا وبريطانيا، وكانت ثمرته اتفاق الأطراف المتحاربة في شهر آب/أغسطس 2015م آيل إلى السقوط؛ فبريطانيا لا تريد أن يكون رجلها مشار مجرد نائب رئيس بلا صلاحيات حقيقية، كما كان الحال قبل اندلاع الصراع الأخير، فأرادت أن تضغط لأخذ المزيد، ولكن أمريكا لا تريد إلا الجنوب كاملاً، مما حدا بها للاتجاه في التخلص من الرجلين كليهما معاً، وإحكام القبضة على جنوب السودان عبر أدواتها (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي)، وبريطانيا تعلم ذلك، لذلك قال مشار ردا على دعاوى الوصاية الدولية لجنوب السودان، إن جنوب السودان لم يصل مرحلة وضعه تحت الوصاية الدولية.
وقبل الحديث عن خطورة وضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية، لا بد من تعريف للوصاية الدولية، (فهي مصطلح سياسي قانوني دولي، يقصد به خضوع إقليم معين لإدارة دولة أخرى طبقاً لشروط خاصة تتضمنها اتفاقية تعقد بينهما، ويشرف على تنفيذها مجلس الوصاية التابع لمنظمة الأمم المتحدة) والدولة التي ستدير جنوب السودان في حالة الوصاية هي أمريكا، ولو كان ذلك عبر وكلاء عنها، من دول الجوار أو غيرهم. وأمريكا ليست حريصة على أهل الجنوب الذين حصدتهم الحرب، وشردت من تبقى منهم، بقدر حرصها على بترول الجنوب، وإضعاف شمال السودان سياسياً واقتصادياً، أكثر مما هو حادث بعد انفصال الجنوب عنه.
إن الوصاية الدولية التي ينادون بها، هي شر مستطير، وتمكين للكفار المستعمرين على رقاب العباد والبلاد، وهو شرعاً لا يجوز باعتبار أن جنوب السودان جزء لا يتجزأ من السودان؛ الأرض الإسلامية، حتى وإن فصل وأعطي للنصارى، فهذا لا يسقط إسلامية أرض الجنوب، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾، أي لا تجعلوا للكافرين عليكم سبيلاً، وأي سبيل أقوى من أن يسيطر الكافر المستعمر على البلاد سيطرة تامة؟ ثم ماذا جنى المسلمون وأهل السودان، شماله وجنوبه بوجه خاص، من تدخل أمريكا وصويحباتها في شؤوننا؟ فهم الذين مزقوا بلاد المسلمين في السابق إلى مزق هزيلة ضعيفة تابعة لهم، عبر حكام رويبضات، نصبتهم على رقاب المسلمين، فحافظوا على تجزئة بلاد المسلمين، بدلاً من أن يتوحدوا في ظل دولة واحدة، كما كان المسلمون من قبل في ظل خلافة تجمعهم، وتقطع أيدي العابثين بمقدراتهم الآن.
فالواجب على أهل السودان في الجنوب والشمال، عدم الانصياع لدعاوى الوصاية الأمريكية، والعمل على إرجاع الجنوب جزءا عزيزا إلى السودان كما كان، بل والعمل من أجل توحيد السودان مع بقية بلاد المسلمين، تحت ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ التي ستقطع كل يد عابثة في بلاد المسلمين، بل وتغزوهم في عقر دارهم، إن بقي لهم عقر دار.
رأيك في الموضوع