تتنازع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، وعلى وجه التحديد الصين والفلبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وبروناي، السيادة على مناطق منه منذ قرون عدة، ولكن التوترات في المنطقة تصاعدت في الآونة الأخيرة.
معروف أن بحر الصين الجنوبي ممر ملاحي حيوي، ويحتوي على ثروة سمكية تقتات عليها شعوب المنطقة. وعلى الرغم من كونها غير مأهولة على الأغلب، فإن سلسلتي باراسيل وسبراتلي والمياه المحيطة بهما تحتوي على احتياطيات من الموارد الطبيعية.
اعتبرت الصين أن المساحة الكاملة تقريباً لبحر الصين الجنوبي الغني بالمحروقات خاضعة لسيادتها، ما يثير نزاعات مع الدول المشاطئة التي تحمل مطالب منافسة، أي الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي.
لا شك أن أمريكا كونها الدولة الأولى في العالم حاليا فإنها إحدى الدول المعنية بالنزاع، وعلى الرغم من ادعائها أنها لا تنحاز لطرف ضد آخر في النزاعات الإقليمية، لكن المسؤولين الأمريكيين أعربوا مرارا عن أﻥ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻠﺘﺰﻡ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺼﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ، وأيدوا طﻠﺐ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪﻣﺘﻪ ﻣﺎﻧﻴﻼ. علاوة على ذلك فقد أرسلت أمريكا سفنها الحربية وطائراتها العسكرية إلى المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، في عمليات تطلق عليها اسم "عمليات حرية الملاحة" وتقول إنها تهدف إلى إبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع.
وفعلا قامت أمريكا بعسكرة دول المنطقة ضد الصين. ففي سابقة هي الأولى من نوعها، استضافت أمريكا قمة لقادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، في منتجع «سانيلاندز» في كاليفورنيا، في شباط/فبراير الماضي، وقال أوباما في بداية القمة التي استمرت يومين: "هنا في هذه القمة يمكننا تعزيز رؤيتنا المشتركة لنظام إقليمي يدعم القواعد والأعراف الدولية بما في ذلك حرية الملاحة وتحل فيه النزاعات من خلال الوسائل السلمية والقانونية".
وحين قرّرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي أن الصين لا تملك "حقوقاً تاريخية" على القسم الأكبر من مياه بحر الصين الجنوبي الاستراتيجية، مؤيدة موقف الفلبين في القضية، عندها تزايدت الضجة حول النزاع لا سيما عند أول قمة قامت بها دول آسيان في فينتيان عاصمة لاوس، يوم الاثنين 25 تموز/يوليو 2016.
أرادت دول آسيان، وخاصة الفلبين وفيتنام، أن يشير البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية آسيان إلى تأييد ضرورة احترام القانون الدولي، لكن الصين أكدت أن الحكم لن يؤثر على حقوقها المكتسبة في بحر الصين الجنوبي ووصفت قرار المحكمة بأنه مهزلة. وفشلت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في التوصل إلى موقف مشترك بشأن خلافات على الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي؛ لأن كمبوديا التي تعد الحليف الأبرز للصين قادت مناقشات حادة بسبب تمسكها بمطلب عدم إشارة بيان اجتماع المنظمة إلى حكم المحكمة الدولية الأخير ضد بكين.
هذا الاجتماع كان بحضور وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، ولكن الغريب أنه في حين كان "حلفاء" أمريكا من دول آسيان - إن جاز التعبير - بحاجة إلى تأييد أمريكا في القضية، بحيث تؤيد القمة بشكل حاسم قرار المحكمة، إلا أن أمريكا لم تفعل ذلك؛ لذلك لم ترد في البيان المشترك الذي صدر يوم الاثنين أية إشارة إلى قرار محكمة التحكيم.
علاوة على ذلك قال جون كيري: "إنه يشعر بالرضا التام إزاء إصدار دول جنوب شرق آسيا لبيان مشترك يدافع عن حكم القانون، وإن إغفاله الإشارة إلى قضية التحكيم في بحر الصين الجنوبي لا ينتقص من أهميته"، وأضاف: "إن إصدار رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لبيان مشترك يمثل نجاحا لأنه شمل "كل قيمة لسيادة القانون". مشيرا إلى "أن الحكم الذي أصدرته محكمة التحكيم الدائمة ملزم من الناحية القانونية لكنه غير ذي صلة". وقال يوم الثلاثاء أيضا: "إنه يؤيد استئناف المحادثات بين الصين والفلبين فيما يتعلق بقضية بحر الصين الجنوبي بعد حكم محكمة تحكيم دولية ضد بكين بشأن النزاع".
وإذا نظرنا إلى تصرفات أمريكا المتمثلة في تصريحات وزير خارجيتها جون كيري نلاحظ أن هناك شيئا من التراجع لدى أمريكا بعد أن كان الأمر مبتوتا به من قبل المحكمة، فإذا أرادت أمريكا أن تحسم الأمر فبإمكانها أن تؤيد دول آسيان بكل ما أوتيت من قوة وتدخل الموضوع في قمة آسيان الأخيرة وتضغط على الصين لقبول قرار المحكمة، ولكن أمريكا لم تفعل ذلك، بل حثت الفلبين على استئناف المحادثات الثنائية بينها وبين الصين ودعت الدول المتنازعة إلى ضبط النفس، وهذا ما لا ترضى عنه شعوب تلك الدول، حتى الشعب الإندونيسي البعيد من النزاع بالنسبة إلى الفلبين.
إن هذا يؤكد بأن أمريكا لا تريد حل النزاع أصلا، بل هي تحافظ عليه وتديره حسب مصالحها، وهي إشغال الصين بالنزاعات الإقليمية حتى لا تخرج إلى العالم فتنافس أمريكا عالميا، وبعبارة أخرى تحجيم الصين إلى حد ترضى أمريكا به. هذا من جانب، ومن جانب آخر إدارة التوتر بما فيه من تخويف دول المنطقة من الصين، لتتجمع دول آسيان حولها فتزداد لها خضوعا.
لأجل ذلك، فإنه على دول آسيان، لا سيما البلاد الإسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا، أن تعرف أن مصالحها ليست عند أمريكا ولا عند الصين، ولا في التجمع وفق الرابطة المصلحية الضعيفة مثل رابطة آسيان التي ليست لها قوة أمام الدول المستعمرة، لا أمام الصين، ولا أمام أمريكا، وإنما عزة تلك البلاد هي في الإسلام ونظامه السياسي المتمثل بالخلافة على منهاج النبوة التي ستقضي على كل القوى الاستعمارية وستنشر رحمة الإسلام إلى العالم أجمع.
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع