أزمة جديدة ظهرت في أفق السياسة في تونس أعلنها الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية، بعد أن ظهر في حوار تلفزيوني في الثاني من شهر حزيران/يونيو الماضي وأعلن فيه فشل حكومة الحبيب الصيد وأن الأمر يستوجب منه مبادرة تجتمع عليها أحزاب الائتلاف وأخرى من المعارضة وصفها السبسي من التي تقبل الحوار، وقد تعمقت الأزمة بطلب حزبي "نداء تونس" و"النهضة" من الصيد تقديمه الاستقالة، إلا أن الأخير قرر المرور عبر البرلمان ليتم سحب الثقة منه ومن حكومته خلال جلسة عامة في 30 تموز/يوليو الماضي، ليكلف يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي أحدث جدلا أكبر ورفضا شمل حتى الأحزاب التي شاركت في الحوار وبعض الشخصيات حتى من داخل حزبي "النهضة" و"النداء"، فضلا عن رفض شعبي واضح قد يتحول إلى تحركات في الشارع خلال الأيام القادمة.
حكومة الشاهد، حتى وإن حاولت أن تحظى بتوسيع مشاركة الأحزاب، إلا أنها بدت أوهن حتى من سابقاتها قبل تشكلها لما أثارته من معارضة ومن تساؤلات عند الرأي العام، وأن اسم شخصية الشاهد المقربة من السبسي، خاصة وأنه توجد بينهما علاقة مصاهرة قريبة أثارت عند الناس تخوفا كبيرا من عودة سياسة العائلة المالكة التي أسست لدكتاتوريات مقيتة شهدتها تونس منذ حكم بورقيبة، وخاصة مع عائلة بن علي والطرابلسي اللذين حولا البلاد إلى ملك شخصي.
اختيار الشاهد وبسرعة كبيرة، وهو الذي عين في السابق وزيرا في الحكومة التي أعلن السبسي فشلها وربما كان هو من أكثرهم فشلا، كما أنه فشل حتى في فض مشاكل داخل حزبه لما عيّنه السبسي لحل الخلاف الذي أودى بانشقاق الحزب وانقسامه، اختياره أكد أن وراء تعيينه سيناريو مبرمجاً من قَبل.
وقد اعتبر العديد من المحللين أن اختيار الشاهد يأتي في سياق استراتيجية لتدمير ما تبقى من البذور الزراعية في تونس لصالح أطراف غربية على غرار أمريكا، خاصة أن هذا الرجل كان مكلّفا بمهام في قسم الخدمة الزراعية الخارجيّة في السفارة الأمريكية في تونس، كما أن انتدابه كخبير فلاحي في السفارة، لم يكن محض صدفة، إذ كانت أطروحة الدكتوراه التي قدّمها هذا الأخير في باريس سنة 2003 تحت عنوان "تقييم آثار تحرير الأسواق الفلاحية على المبادلات ومستويات العيش"، تعكس توجهه الاقتصادي والسياسي.
ولكن في ظل كل هذه الاتهامات الموجهة للشاهد ومن ورائه لرئيس الجمهورية صاحب المبادرة، تبقى أرجح الأسباب لتغيير الحكومة هي التي أعلن عنها السبسي نفسه في لقاء جمعه بعدد من الإعلاميين يوم الأربعاء 27 تموز/يوليو 2016، والتي تمحورت أساسا حول غياب الجرأة عن أداء حكومة الصيد في تعاطيها مع الملفات الاقتصادية بالخصوص، محملا إياه مسؤولية تعطل شركات الإنتاج وحقول نفط وشركة بتروفاك وتوقّف إنتاج الفوسفات. وهو ما يؤكد عزم السبسي على إدارة هذه الملفات بنفسه عبر يوسف الشاهد المقرب منه.
الشاهد وبعد تعيينه أعلن عن خمس نقاط سيتضمنها برنامج حكومته كانت عبارة عن عناوين عامة كالحرب على الإرهاب، والفساد، والتشغيل، ربما لم تخلُ من خطاب سابقيه أو قادة الأحزاب السياسية خلال الحملات الانتخابية، في ظل ظروف اقتصادية وسياسية لم تشهد البلاد أزمات أعمق منها، من تفاقم للمديونية وارتفاع نسب البطالة وغلاء للمعيشة وانهيار للدينار التونسي عرف أشد مستوياته، فمثل هذا الخطاب كان عند الرأي العام تأكيدا على أنها مناورة سياسية فاشلة لم تقدر على الإيهام بالتغيير.
وطبعا سياسات حكومة الشاهد لن تكون مختلفة عن سابقاتها، فستكون حلولها دائما متعلقة بالاستثمارات الخارجية التي لم توفر أكثر من 1% لخزينة الدولة ودعم قطاع السياحة الذي تصرف له أموال طائلة دون أن تكون له مردودية فضلا عن التوجه الفاسد الذي يشجع على السياحة الجنسية وغيرها، وعبر القروض التي يفرضها صندوق النقد وغيره من المنظمات الاستعمارية.
فلن تجد مثلا ضمن سياساته فتح ملف الثروات المنهوبة والشركات الناهبة، لن تجد سياسات تعمل على بناء الدولة صناعيا، ولن تجد أيضا برامج لاستثمار الأراضي الفلاحية ودعم صغار الفلاحين في تحديث زراعتهم، فكل ذلك ليس من برامج هذه الحكومات التي تتلقى برامجها من مذكرات التفاهم التي تجريها مع السفارات الأجنبية.
فحتى المشاورات التي يجريها الشاهد وما أعلنه حول تشكيل حكومته كلها تتعلق بتغييرات في الشكل لا في المضامين، كتعيين بعض الوزراء من الشباب أو منح حقائب وزارية لوزيرات مما يدل أن ما يقوم به هو تخبط في المجهول بدت ملامح ثورة الناس عليه قريبة بما بدا من حركات امتعاض واسعة.
إعلان فشل وتغيير حكومة اتضح أنه لن يخرج هؤلاء السياسيين من أزمة عدم قدرتهم على الحكم، فأساليب ما قبل الثورات اتضح أنها غير مجدية اليوم ولا يمكن أن تنطلي حيلها على الناس، خاصة مع تفاقم ضائقة العيش وصعوبة أحوال الناس، أثبتت عند الرأي العام أن التغيير لن يكون عبر تغيير وجوه أو حكومات، بل يجب أن يكون من خارج هذه المنظومة العلمانية الفاسدة مهما حاولوا تلميع صورتها بحرية التعبير أو بشكل من التداول على الحكم ترعاه السفارات الأجنبية.
لذا فلن يقتنع الناس إلا بنظام حكم راشد يعيد ثروات البلاد ويحفظ أمنها ويجمع شتاتها ولا يقبل بوصاية من أي دولة استعمارية، بل يحكمهم بخير شرع وأعدل قوانين؛ مأخوذة من كتاب الله وسنة نبيه e وما أرشدا إليه.
بقلم: المهندس محمد ياسين صميدة
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع