خاص من مراسل الراية – بيروت:
أجرى مراسل الراية مقابلة مع مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - في بيروت - المهندس عثمان بخاش، ومما جاء في المقابلة:
س- بعد مرور 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو (1916) تنتشر كثير من الأخبار والتصريحات التي تبشر بإعادة صياغة جديدة للمنطقة يطلق عليها لافروف-كيري، فكيف نفهم هذه التصريحات؟
ج- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله القائل في كتابه الكريم وقوله الحق: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾؛ فنحن نعلم وندرك جيدا تواطؤ ملة الكفر من قبل ومن بعد في محاولات مستميتة ويائسة ليطفئوا نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون. نعم صدرت تصريحات عديدة من كبار الساسة الأمريكان تهيئ الأجواء لقبول فكرة إعادة رسم خارطة بلاد المسلمين، ولكننا على ثقة بوعد الله وأن الخارطة الجديدة ستشهد عودة الخلافة على منهاج النبوة، لتحرر البشرية من رجس الحضارة العلمانية المادية التي ضج من ويلاتها الحجر والشجر والبشر.
س: ولكن في القراءة السياسية لهذه التصريحات وآخرها تصريح جون كيري أن سوريا مهددة بالتقسيم، في حال عدم السير في الحل السياسي، فكيف نفهم هذا التصريح؟
ج- نعم لا يخفى أن الاستعمار العالمي (بشقيه الغربي والشرقي) يعمل باستمرار للقضاء على مقومات القوة في الأمة الإسلامية، وأول ذلك وحدتها في كيان الخلافة، ولقد شاهدنا من قريب فصل جنوب السودان عن شماله، بل وهناك مسعى الآن لفصل دارفور عنه، هذا فضلا عما يجري في ليبيا واليمن من اقتتال دامٍ يستنزف طاقات المسلمين ويورث الأحقاد والكراهية فضلا عن تدمير البلاد وهدر الثروات... فمن المهم هنا إدراك أن الدول الاستعمارية ما كان لها أن تنجح في تنفيذ سايكس بيكو بالأمس ولا في المحافظة عليها (أي على الوضع السياسي الذي فرضته بريطانيا وفرنسا خلال القرن العشرين) لولا خيانة نفر من المنتمين لهذه الأمة، يلهثون وراء لعاعة من الدنيا الفانية مقابل مصالح شخصية و"عظْمة" يرميها لهم سادتهم في العواصم الاستعمارية. وتصريح جون كيري ليس الأول ولا الأخير من نوعه، وقد صرح مايكل هايدن الرئيس السابق للسي آي إيه في مقابلة مع ال "سي إن إن" بذلك وبشكل أكثر صراحة حيث قال هايدن إن "الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي. نحن نرى انهياراً (بالاتفاقيات) التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضاً انهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو. ويمكنني القول إن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً، ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة".
فهذا ليس مفاجئا، بل إن الغرب يستهدف إيقاع الفتن وإشعال الحروب والأزمات لاستنزاف طاقات الأمة وحرفها عن الكفاح لاستئاف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
س- إذن في هذا الإطار كيف ترى مصير الهدنة الأخيرة في سوريا والتي يفترض بها أن تمهد لحل سياسي برعاية الأمم المتحدة حسبما جاء في قرارات مجلس الأمن؟
ج- هذه الهدنة هي آخر مشاهد التآمر الصليبي ضد انتفاضة الأمة في سعيها لتحطيم قيود سايكس بيكو ودفن النظم العميلة التي فرضها الغرب على أنقاض دولة الخلافة. وما عنيته في جوابي السابق أن الغرب (ومعه روسيا والصين) ما كان لينجح في الحفاظ على هيمنته على بلاد المسلمين لولا حفنة من الساسة الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فقد سبق أن فشل دي ميستورا في بداية 2015 في الترويج لمشروعه الفاشل في سياسة الخطوة خطوة، مع التنصل لحقيقة الثورة القائمة في سوريا ضد النظام البعثي بقيادة بشار عميل أمريكا هو ووالده المقبور حافظ (أكبه الله في قعر جهنم هو وابنه وزبانيته) وتحويلها إلى قضايا إنسانية وإغاثية. فقد ذكر دي ميستورا في مقابلة مع بي بي سي العربية أن رؤية الأمم المتحدة لتحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا تتلخص في ثلاثة محاور هي: رفع الحصار، وإيصال المساعدات، وأخيرا تقوية الاقتصاد السوري.
هكذا ببساطة تصبح المسألة تقوية الاقتصاد السوري؟؟ من يصدق هذا الهراء وهذا الإجرام؟ المشكلة أن ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات تصدق هذا الدجل، بل وتهوّن سكرات الموت فتضفي الشرعية الزائفة على اجتماعات تعقد هنا وهناك من جنيف إلى الرياض إلى فينا. فهذه الهدنة هي سم الخيانة بعينها وهي نقض لأسس الثورة التي انطلقت تحت شعار "قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد". ونحن ندعو كل مخلص صادق أن يأخذ على أيدي هؤلاء الذين يتاجرون بدماء الشهداء في سوق نخاسة الخيانة السياسية، وعدم قبول الدنية في ديننا.
س: ولكن الحرب بالمناظير سهلة كما يقال، فالناس اكتوت بنار الحرب وشردت من منازلها وهامت على وجوهها طلبا للأمن والسلامة؟
ج: نعم ليست بخافيةٍ سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها بشار بتفويض كامل ورعاية من أمريكا، والله سبحانه قد أمرنا بوجوب نصرة المسلمين كما أمرنا بعدم موالاة الكافرين وإلا فهي الفتنة بعينها والفساد العريض في الأرض ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 71-72] وإنه لعار يحاسب المسلمون عليه بسبب خذلانهم لأهلهم في سوريا وتسليمهم للعصابات التي تنفذ أوامر الغرب، كما أن سكوتهم عن الحكام الخونة الذين يسخرون مقدرات الأمة وخيراتها لخدمة المصالح الاستعمارية ففي هذا كله محادّة لله ولرسوله وللمؤمنين... من الواضح كل الوضوح أن الأمة تملك من المقدرات والجيوش والرجال والسلاح ما يمكنها ليس فقط من إنهاء حمام الدماء في سوريا، بل ولتحرير الأمة كافة من ربقة النفوذ الاستعماري... وإلا فبالله عليك كيف تفسر تجرؤ عدو الله بوتين على قصف أهلنا في سوريا من وراء البحار بينما الرويبضة أردوغان ومعه سلمان حاكم السعودية يتعذران بأن أمريكا لا تسمح لهم بنصرة أهل الشام؟ أليست هذه الخيانة بعينها؟
س: دعني أختم بالسؤال عما يقوم به حزب التحرير من الأعمال التي من شأنها نصرة أهل الشام لوضع حد لمعاناتهم؟ فمما يؤخذ على الحزب أنه صاحب نظريات وهو الذي لا يرابط على جبهة من الجبهات بل يكتفي بالتنظير من بعيد وإصدار المنشورات؟
ج: أخي هل الأمر متعلق بزيادة فصيل آخر من الثوار أو عدة فصائل لتنتصر الثورة؟ نحن نعلم حق العلم أن العدو هو الدول الاستعمارية، ولهذا سبق أن ناشدنا منذ أول 2011 مرارًا أهلنا في مصر وتونس وغيرها أن يستكملوا الثورة بدفن النظام الاستعماري وإقامة دولة الخلافة، وما سوى ذلك فالثورة مبتورة ولم تستكمل هدفها بتحطيم الهيمنة الاستعمارية. فحين تقرر قيادة الجيش في دولة كتركيا أو مصر مثلا الانخلاع من التبعية لإملاءات الغرب وخلع الحكام الذين يسيرون في ركاب السياسة الغربية فحينها تنتهي الثورة في سوريا وحينها ننهي العهد الجبري الاستعماري الذي ابتلينا به منذ سايكس بيكو المشؤومة.
لا يخفى على القاصي والداني أن حزب التحرير هو حزب سياسي حدد هدفه بأنه استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة مقتفيا طريقة الرسول e في حمل الدعوة: من جهة لتوعية المسلمين على أحكام الإسلام، ومن جهة لقيادتهم للتصدي للحكام الخونة الذين يعطلون شرع الله. وقد جاء في الحديث الشريف «لَحدٌّ يُقام في الأرض خير من أن تُمطروا أربعين خريفًا»، فالحزب يعمل بين الأمة ومعها للأخذ بيدها لإقامة حكم الله في الأرض. والحمد لله أن صارت المطالبة بإقامة الخلافة على منهاج النبوة مدوية في أصقاع بلاد المسلمين من جاكرتا إلى كوالالمبور إلى القارة الهندية ووسط آسيا وفي سيبيريا وتتارستان والقرم، وستشهد اسطنبول آخر عاصمة للخلافة مؤتمرا حاشدا يوم الخميس القادم (3/3/2016) كما ستشهد أنقرة مؤتمرا حاشدا يوم الأحد القادم (6/3/2016)، كما شهدت تونس من قبل المؤتمرات الكبرى الداعية لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وفي هذا دلالة كبرى على أن النظم العلمانية التي فرضها الغرب سواء في تركيا أو في تونس أو سواهما تلفظ أنفاسها الأخيرة. والله نسأل أن ينصرنا بملائكته وخلص المؤمنين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وعسى ذلك أن يكون قريبا.
رأيك في الموضوع