ما إن أعلن سكرتير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو يوم 16/1/2016 أن "إيران أوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي"، حتى سارع وزير خارجية أمريكا كيري إلى الإعلان عن "رفع العقوبات عن إيران، لأنها نفذت خطوات كبيرة بشأن برنامجها النووي ومنها تفكيك ثلثي أجهزة الطرد المركزي والتخلص من مخزون اليورانيوم المخصب ووقف العمل في مفاعل أراك". أي لم تعد لديها إمكانية لصنع السلاح النووي. وقد اجتمع مع نظيره الإيراني ظريف في فينّا الذي أعلن قائلا: "اليوم هو يوم مشهود للمنطقة لأنها تتخلص من قلق مفتعل كان يمكن أن يؤدي إلى النزاع.. وإن تنفيذ الاتفاق سيؤدي إلى تعزيز السلام والتقارب في المنطقة". أي أن إيران تؤثر الاستسلام والخنوع على النزاع مع الأعداء وقتالهم، حيث أشار إلى تهديد كيان يهود المدعوم أوروبيا وقد زال بعدما تنازلت بلاده عن برنامجها النووي، وأن إيران لن تهدد كيان يهود لأنها ستعمل على تعزيز السلام والتقارب معه، لأن كلامه يتضمن ذلك حيث ذكره عامّاً في المنطقة. وهنأ الرئيس الإيراني روحاني شعبه برفع العقوبات واصفا إياها "بالنصر المجيد".
والعقوبات التي سترفع تشمل 50 مليار دولار كأموال مجمدة لإيران في البنوك الغربية، وكافة أنواع المعاملات التجارية والمالية مع الغرب استيرادا وتصديرا ومصرفيا، وشطب 400 اسم من أفراد وشركات إيرانية من لائحة العقوبات الأمريكية. ولذلك ستنفرج الأمور اقتصاديا على إيران إلى حد ما ويخف الضغط على النظام، ولكن "الشركات الأمريكية والأوروبية ستتمكن من استغلال السوق الإيرانية المتعطشة (80 مليون نسمة) لكل المنتجات الغربية"، ولذلك لن تتمكن إيران من تحقيق نقلة نوعية، لأنها ستعتمد على الاستثمارات الأجنبية والاستيراد من الخارج، فلن تحقق ثورة صناعية، ومن الصعب أن تحققها وهي تتعطش للاستثمارات والمنتجات الغربية، وقد ذكر رئيسها روحاني بأن العقوبات قد أرجعت إيران إلى العصر الحجري، فمعنى ذلك أن إيران ليس لديها القدرة على الاكتفاء الذاتي أو تمويل نفسها بنفسها من دون الاكتراث بالعقوبات، فهي دولة غير ناهضة.
هناك حقيقة يدركها كل واع سياسيا، وهي أن الدول الاستعمارية كأمريكا وأوروبا لا يمكن أن تعمل على تقوية دولة تريد استعمارها لأن ذلك مخالف لمصلحتها، فكيف تعمل دولة استعمارية على تقوية دولة تريد استعمارها؟ فذلك يصعّب أمر إدارتها وتوجيهها واستغلالها ونهب ثرواتها، وتخاف أن يثور الشعب فيعيد سلطانه إليه ويطرد الاستعمار فيستفيد من القوة الموجودة للدفاع عن نفسه وللتحرك في الخارج، بل الدول الاستعمارية تعمل على إضعاف بعضها بعضاً بحيل نزع السلاح أو الحد من التسلح كما فعلت بريطانيا مع فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية حتى سهل على ألمانيا النازية احتلالها بسهولة في الحرب، وكما عملت أمريكا مع الاتحاد السوفياتي للحد من قوته بتوقيع اتفاقيات الحد من إنتاج الصواريخ البالستية حاملة الرؤوس النووية ووقعت مع روسيا الحالية اتفاقية مشابهة، وفككت 1000 صاروخ من هذه الصواريخ كانت في كازاخستان، وفرضت اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية وجعلت الدول توقع عليها، وتثير الدول الاستعمارية ضد بعضها بعضاً حركات مقاومة وطنية أو يسارية في البلاد المستعمَرة كما فعلت أمريكا ضد الدول الأوروبية في مستعمراتها بأفريقيا.
ولكن يمكن أن تعمل الدولة الكبرى على تقوية دولة أخرى تابعة لها في حالة واحدة وإلى حد معين لتضرب بها قوى أخرى أو لتستخدمها في تنفيذ خططها، مثلما فعلت بريطانيا مع العراق على عهد صدام حيث قوّته تجاه إيران بعدما سقط نفوذها هناك، ولكن أمريكا عملت على تحطيم قوة العراق خوفا من أن يستلم المسلمون المخلصون الحكم فيه لإقامة الخلافة فيستفيدوا من تلك القوة، وكذلك سمحت أمريكا للهند والباكستان بتملك السلاح النووي لتستخدمهما في مواجهة الصين ولم تعترض أوروبا على ذلك. ومن هنا نفهم أن أمريكا تريد تقوية إيران إلى حد معين دون السلاح النووي حيث وافقت على عقد هذه الاتفاقية، لأن أوروبا وكيان يهود اعترضا على برنامجها النووي، وزاد ضغطهما إلى حد الاستعداد لشن هجمات عسكرية شاملة على مفاعلاتها النووية، فاضطرت أمريكا إلى تحقيق هذا الاتفاق مع إيران، ولأن دور إيران محصور في منطقة الشرق الأوسط ولا يلزم استعمال التهديد النووي كثيرا ضد الآخرين، ولئلا يسقط النظام الإيراني الموالي لها بفعل تهديد كيان يهود المدعوم أوروبيا، ولترفع العقوبات التي أهلكت إيران حيث قال الرئيس الإيراني روحاني يوم 14/7/2015"إن تلك العقوبات تسببت في مشاكل كثيرة في المجتمع الإيراني وإنها تركت آثاراً على الشعب الإيراني"مما هدد النظام بثورة عليه ربما تطيح به وهو يعاني من مشاكل سياسية كثيرة في داخله.
فكان لا بد من هذا الاتفاق ولا بد من رفع العقوبات حتى تتمكن أمريكا من حماية النظام الإيراني داخليا وخارجيا وحتى تتمكن من استخدامه لتنفيذ مشاريعها في المنطقة. ولذلك أضاف وزير خارجية أمريكا في إعلانه: "أن شعوب منطقة الشرق الأوسط ستصبح أكثر أمنا بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي، إلا أن ذلك لا يخلص المجتمع الدولي من كافة هواجسه بشأن تحركات إيران في المنطقة". وهو بهذا يريد أن يطمئن البعض ككيان يهود بأنه لا خوف من إيران، مع ذلك يؤكد بأنها ستلعب دورا في المنطقة وتتحرك والبعض ستكون لديه هواجس. فأمريكا تدرك أنه ستبقى معارضة لتحرك النظام الإيراني في المنطقة ولكنها مع ذلك سوف تستغله لتنفيذ مشاريعها، فقد عملت على تحقيق الاتفاق وعلى رفع العقوبات، حيث إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحت تأثيرها تتحكم فيها بتعيين سكرتيرها وفي إعداد التقارير كما حصل سابقا مع العراق حيث كانت التقارير كاذبة وكان سكرتيرها السابق البرادعي ينفذ لها ما تريد، واليوم يوكيا أمانو لا يختلف عنه في شيء. وهذه الوكالة لم تقترب من برنامج كيان يهود النووي ولم تكشف عنه بسبب الحماية الأمريكية له حتى تستخدمه لإخافة المسلمين عند اللزوم. ولهذا ستستمر إيران في تنفيذ المشاريع الأمريكية وربما بنشاط أقوى لتوفر بعض المال الذي يلزم للعمليات الخارجية ولعدم خوفها من اضطرابات داخلية أو تهديدات من كيان يهود.
وهذا الاتفاق أرضى أوروبا، لأن إيران ستكون محدودة القوة لا تشكل تهديدا نوويا عليها يضايقها في الخليج ويخيف دول المنطقة التابعة للنفوذ الأوروبي، ولكن لو ملكت السلاح النووي سيصعب عليها مواجهتها وسيكون موقف إيران أقوى وتهديداتها أشد، وفي الوقت نفسه تريد أوروبا الاستثمار وتصريف منتوجاتها في إيران، لأنها بحاجة ماسة إلى ذلك في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية منذ عام 2008، ولذلك أعلنت على لسان موغيريني مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي رفع العقوبات فور إعلان سكرتير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووصفت الاتفاق بأنه "تاريخي سيسهم في تحسين السلم والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم". فأوروبا ما إن وقع الاتفاق يوم 14/7/2015 حتى سارع مسؤولوها نحو إيران لعقد اتفاقات معها لتنفذ عند رفع العقوبات.
إنه مما يؤسف له أن حكام إيران على شاكلة حكام العرب وعلى شاكلة باقي حكام البلاد الإسلامية لا يهمهم في الدرجة الأولى إلا البقاء في الحكم والحفاظ على أنظمتهم، ولذلك لا يعملون على تقوية بلادهم إلا بقدر ما تسمح به الدول الكبرى، وإذا هددتهم تلك القوى كانوا مستعدّين للتنازل، فقد رأينا القذافي بعد سقوط صدام واحتلال العراق قام بتسليم كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الليبي لأمريكا، وحكام الباكستان وضعوا سلاحهم النووي تحت رقابة أمريكا ووضعوا علماءهم في مجال الذرة على رأسهم عبد القادر خان تحت الإقامة الجبرية خاضعين لضغوطها، وباقي الحكام في الدول العربية وفي تركيا وإندونيسيا لا يقدمون على مثل هذه الخطوة لأن أمريكا لم تأذن لهم، حتى إنهم لا يعملون بشكل عام على إقامة صناعة أسلحة متطورة، فتبقى بلادهم تستورد السلاح من أمريكا وأوروبا خاصة.
ولكن دولة الخلافة الراشدة عندما يأذن الله بإقامتها فسوف تعمل من أول يوم على إحداث الثورة الصناعية وعلى إقامة الصناعات المتطورة والاستراتيجية، لأن حكامها وعلى رأسهم الخليفة يلتزمون بالمبدأ فلا يعرفون التنازل ولا يعملون إلا لما هو صالح لبلادهم ولأمتهم الإسلامية ولما يلزم لإخافة الأعداء ونشر الإسلام في الأرض.
رأيك في الموضوع