لقد أقام كيان يهود المسخ جدارا داخل أراضي ٦٧، سمّي بجدار الفصل العنصري، ثم قام ببناء جدار مع حدود سيناء وأخذ يفكر ببناء جدار مع هضبة الجولان، وأعلن نتنياهو عن مشروع بناء وتكملة الجدار مع الأردن بحدود طولها ٢٣٥ كيلومتراً تبدأ المرحلة الأولى ببناء ٣٠ كيلومترا في المنطقة الجنوبية من مدينة العقبة وحتى جنوب البحر الميت، إذ هناك جدار إلكتروني، قائمٌ منذ عشرات السنين من جنوب البحر الميت، وحتى منطقة الحمّة، عند المثلث الحدودي، بين الأردن، ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، وفلسطين الـ 48، وأن الجدار يشهد باستمرار تطويرا للأجهزة الإلكترونية المنصوبة عليه، والتي ترصد كل حركة حوله وعليه. ولقد أثار هذا الإعلان غرابة شديدة لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين النظام في الأردن وكيان يهود، إذ هما في حقيقة الأمر توأمان، ولطبيعة الدور الوظيفي الذي أنشئ الأردن من أجله وهو حماية كيان يهود من الأمة الإسلامية كمخفر متقدم ليهود. وما يقوم به الأردن من حماية حدود يهود مقابل ما يدفعه له من أموال وتعطيه إياه من تقنية عسكرية لضمان قدرته على القيام بدوره الوظيفي، ومما أثار الغرابة أن الحدود مع كيان يهود لم تشهد اختراقات ذات بال تجعل دولة يهود تفكر بحماية أمنها بنفسها، بل على العكس فإن ما قام به النظام ويقوم به من تعدد نقاط التفتيش والمراقبة والأبراج على طول الطريق المؤدي للحدود، والتعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري لينبئ بشكل لا شك فيه عن مدى استفراغ الأردن لكامل إمكانياته وطاقاته لحماية كيان يهود والحرص عليهم أشد من حرصه على أهل الأردن ومقدراته، وما قام به النظام بعد عملية البطل أحمد الدقامسة من ركوع أمام عائلات البنات اللاتي قتلن في العملية ليدرك معنى أن وجود النظام مرتبط بدوره الوظيفي وأنه إن أخل بهذا الدور فإنه لا بقاء له ولا وجود. وحسب تصريحات قادة يهود فإن العلاقة مع النظام هي علاقة الروح بالجسد، فكم هي تلك التصريحات التي أدلى بها قادة يهود تهدد بالتدخل إذا تعرض النظام في الأردن للخطر! إذًا كيف نفهم عملية بناء هذا الجدار، وهل المقصود به الأردن أم أن هناك اعتبارات أخرى وأهدافاً وحقائق خلف هذا الأمر لا علاقة لها باستراتيجية التوأم؟
وللوقوف على حقيقة هذا الأمر لا بد لنا من ربط الأحداث ببعضها فأقول وبالله التوفيق والسداد:
بعد أحداث المنطقة وتزلزل أقدام الحكام عملاء الكفار وتداعيات الثورة الشامية جاءت الولايات المتحدة بوزير خارجية جديد وهو جون كيري الذي صرح قائلا "أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يحل لأنه لم يكن وزيرا للخارجية" لذا شرع بوضع مسودة إطار للمفاوضات، وأقول مسودة إطار وليس مشروع سلام أو اتفاقية يلتقي من خلالها الطرفان لبحث أفكار ومقترحات تصلح لأن تكون مشروعا أو وضع قدم على بداية الطريق، وكان ما طرحه جون كيري من مقترحات حول اتفاق إطار المفاوضات بين فلسطين وكيان يهود تتضمن رسم الحدود الكاملة بين الدولة الفلسطينية وكيان يهود على حدود عام 1967، وأن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، وانسحاب يهود من الضفة الغربية والأغوار، وتولي أمريكا توفير أمن الحدود الشرقية لكيان يهود، وغيرها من المقترحات الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بمنطقة غور الأردن على الجانب الفلسطيني المحتل التي وردت في كلام كيري الانسحاب من الأغوار ووجود قوات دولية، ومعنى وجود قوات دولية هو قوات أمريكية بحجة حماية أمن يهود ووجود رادار أمريكي يرقب التحركات على الأرض. وكان هذا المقترح من أخطر المقترحات التي وردت في إطار الاتفاق لأن كيان يهود يرفض رفضا قاطعا وجود حدود فلسطينية خارج سيطرته لأن هذه الأغوار معدودة من ضمن الأرض المحتلة.
ولكي ندرك حجم الغضب تجاه تلك المقترحات نقف على بعض التصريحات من جانب كيان يهود؛ حيث قال وزير الحرب في كيان يهود موشي يعلون "أن وزير الخارجية جون كيري، الذي جاء إلى إسرائيل وهو عاقد العزم ويتصرف من منطلق فكرة غير مفهومة مسيطرة عليه ويشعر بأنه المخلص المنتظر". وأضاف: "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلصنا هو فوز كيري بجائزة نوبل ليتركنا وشأننا". وعندما تحدث موشي يعلون عن المهمة الدبلوماسية المكوكية التي قام بها جون كيري خلال عشر زيارات للمنطقة في الأسابيع الماضية لمحاولة إقناع يهود والفلسطينيين بالموافقة على اقتراح بشأن القضايا الجوهرية للصراع بين كيان يهود وأهل فلسطين، قال: "في الواقع، المفاوضات التي أجريت في الأشهر القليلة الماضية لم تكن بين إسرائيل وفلسطين، وإنما مفاوضات بين إسرائيل وأمريكا فقط". وقال القائد السابق للقوات الجوية لكيان يهود لصحيفة (تايمز) لن أعتمد على قوات أجنبية.
ولا زلنا نذكر المسبات والإهانات التي تلقاها كيري من جانب قادة يهود والهجوم عليه أكثر من مرة بسبب تلك المقترحات. وانضم غلعاد إردان، وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو، إلى المعركة أيضا وقال أن كيري "يقوم بتحطيم رقم قياسي في إظهار عدم فهمه لما يحدث في منطقتنا". ورد مفاوض السلام السابق مارتن إنديك بتغريدة له: "ها هم من جديد: يهاجم وزراء من اليمين الإسرائيلي كيري لرغبته في سلام إسرائيلي- فلسطيني للمساعدة في محاربة الدولة الإسلامية".
لذا حاولت أمريكا حسب ما كشفته صحيفة معاريف اليهودية، الخميس الماضي، أن مندوبين أمريكيين من فريق مارتين إنديك الموسع مع ضباط كبار في الاحتياط في محاولة لتجنيدهم لتأييد انسحاب اليهود من الأغوار، والترويج لذلك أمام الرأي العام اليهودي.
وقالت الصحيفة إن الأمريكيين حاولوا استخدام اللواء آفي مزراحي، قائد المنطقة الوسطى سابقا. وكانت النية أن يرتبط بفريق اللواء احتياط غادي شماني الذي يقدم المشورة لمجموعات التخطيط التابعة للجنرال جون ألن في كل موضوع الأمن في غور الأردن.
ونتيحة هذا الهجوم العنيف من جانب يهود ورفضهم لمقترحات كيري أمر كيري بإعادة تقييم الخطة الأمنية التي رسمها الجنرال جون ألين لمنطقة الأغوار ضمن مشروع السلام الأمريكي الجديد بعد انتقادات عنيفة من الجانبين الأردني واليهودي.
وبعد هذه الجولة من التصريحات والنقولات وربطاً للأحداث نستطيع أن ندرك عملية بناء الجدار وهو رفض المقترحات الأمريكية والسير بسياسة انفراد يهود بأمنها وعدم السماح بوجود قوات دولية، لذا كان هذا هو الجانب الحقيقي لعملية البناء للجدار وتفريغ للحجة الأمريكية بضمان أمن يهود، ولذا كان هذا الأمر محل توافق أردني يهودي وإن كان صوت الأردن ضعيفا لعدم قدرته على الوقوف في وجه أمريكا واحتج فقط بأن التقنية المراد استخدامها ستجعل الأرض الأردنية مكشوفة وكأن الولايات المتحدة لا يوجد لها قواعد أمريكية فيها.
صحيح أن كيان يهود مسكون بعقلية الغدر مصداقا لقوله تعالى ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ وصحيح أيضا أن يهود تنطلق من عقدة الأمن ولا تأمن لأحد وتستشعر الخطر الدائم وتعيش في حالة خوف شديد وتحاول أن ترقب أي حركة أو تحرك، وهذه أسباب أيضا لا نقلل من أهميتها في حالة يهود ولكننا نبحث هنا مسألة بناء الجدار مع الأردن.
وكلمة أخيرة نقولها: إن أرض الإسلام ما كانت لتكون محلاً للصراع بين الكفر لولا غياب دولة الإسلام وتسلّط حكام عملاء على رقبة هذه الأمة العظيمة، ولكننا على يقين أن لا حل لأرض الإسلام ومنها فلسطين إلا بحيش دولة الخلافة على منهاج النبوة القادمة قريبا مصداقا لحديث النبي e عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» رواه مسلم.
بقلم: يوسف أحمد - الأردن
رأيك في الموضوع