تعتبر سنة 2013 أسوأ فترات حكم عبد العزيز بوتفليقة منذ توليه الرئاسة سنة 1999 حيث عاشت الجزائر ضغوطات سياسية حرجة خارجيا وداخليا:
خارجيا من قبل القوى الاستعمارية فرنسا وأمريكا حيث وقع فرنسوا هولاند وباراك أوباما بواشنطن اتفاقية عسكرية لمحاربة الإرهاب والتطرف في منطقة شمال إفريقيا، وداخليا من قبل المعارضة والمجتمع المدني حيث شملت الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية جل ولايات الجزائر كان أهمها في العاصمة وباتنة والجفلة وأم البواقي بسبب البطالة وأزمة السكن والصراعات الطائفية والمذهبية في مدينة غرداية، كل هذه التحركات الداخلية كانت من نسج جهاز المخابرات بقيادة الجنرال محمد مدين "التوفيق" والذي غذاها بتسريب مجموعة كبيرة من ملفات الفساد نشرتها صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية في نيسان/أبريل 2013 اتهمت علنا شكيب خليل على رأس شركة سوناطراك البترولية بتواطؤ ودعم مفضوح من الرئيس بوتفليقة وشقيقه السعيد، كل هذه الضغوطات والأزمات كافية ليصاب على إثرها بوتفليقة بجلطة دماغية ينتقل على إثرها إلى مستشفى فال دوغراس بفرنسا ولا أحد يعلم حين غيابه المطول إن كان على قيد الحياة أو مات وسط تعتيم إعلامي كبير، ليستغل جهاز المخابرات ثغرة دستورية "المادة 88" التي تخول لهم تشكيل حكومة جديدة وتنصيب رئيس جديد في حال غياب الرئيس أكثر من 45 يوماً.
وبمكر وخبث الإنجليز المعتاد توحي بعميلها المخلص بما يحاك في غيابه لتنشر قناة الوطنية في اليوم الخامس والأربعين من غياب بوتفليقة فيديو مصورا يظهر فيه هذا الأخير على كرسي متحرك وعن يمينه قائد الأركان قايد صالح وعن شماله رئيس وزرائه عبد المالك سلال في رسالة مشفرة لأعدائه في الداخل والخارج وإحباط المؤامرة التي تحاك ضده، ويعود بعدها إلى الجزائر منتقما ويعزل مباشرة الجنرال جبار مهنا والبشير طرطاق ووضع الجنرال حسان المكلف بملف الإرهاب تحت الإقامة الجبرية والتحقيق قضائيا مع وزير الطاقة السابق شكيب خليل، ويتهم عمار سعداني علنا، ولأول مرة وفي جرأة غير مسبوقة في تاريخ الجزائر الجنرال توفيق بالتقصير في مهامه الاستخباراتية وفي حماية الرئيس من محاولة اغتيال سنة 2007 ويطلب منه الاستقالة أو إحالته إلى التقاعد.
حينها تضاعفت الأزمات ونشطت الخلايا الإرهابية في جبال أم البواقي وتزي وزو وتنمراست وعلى الحدود الليبية والتونسية وبرزت القيادات الإرهابية درودكال، ومختار بلمختار ولقمان أبو صخر وتنظيم جند الخلافة وتكثر الاغتيالات الأمنية والعسكرية من حين لآخر، وتتضاعف الصراعات الطائفية في مدينة غرداية بين المالكية والأباضية، فأصبح واضحا وبان جليا للقاصي والداني احتدام الصراع بين جناح السلطة وجهاز المخابرات لينتهي بمصالحة بين الطرفين في نيسان/أبريل 2014 إثر ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة ليقرّب بعد فوزه في الانتخابات كلاً من أحمد أويحيى أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي ليصبح مدير الديوان الرئاسي والبشير طرطاق مستشاره الأمني ويبقي الجنرال توفيق على مؤسسة الاستعلامات.
بهت الجميع مما أقدم عليه بوتفليقة بعدما كان الصراع على أشده وما هو في الحقيقة إلا استراحة محارب وهدنة مؤقتة تنتهي بعاصفة هوجاء ينتقم فيها بوتفليقة وجناحه ويضع حدا للضغوطات الخارجية الفرنسية والأمريكية للزج بالجزائر في حرب خارج حدودها لإضعاف وتشتيت جهود جيشها القوي ونهب ثرواتها الحيوانية والمعدنية والباطنية، وذلك بتقليص نفوذ أدواتهم الداخلية المتمثلة في جهاز الاستعلامات ليقيل تبعا يوم الجمعة 26/7/2015 ثلاثة من أكبر القيادات العسكرية والأمنية شملت قائد مديرية الأمن الداخلي ومسؤول مديرية الأمن الرئاسي وقائد الحرس الجمهوري نتيجة إهمال داخل قصر المرادية حسب ما صرحت به صحيفة الوطن.
ضجة إعلامية اندلعت في الأوساط السياسية الجزائرية والإقليمية والإعلامية لتتضاعف بعدها وتصبح الجزائر قبلة أنظار وسائل الإعلام العالمية حينما أذن قاضي المحكمة العسكرية يوم 28/8/2015 باعتقال الجنرال حسان الذراع الحديدية للجنرال توفيق وإيداعه السجن بتهمة تشكيل جماعات إرهابية وبخصوص مخزون السلاح الذي بحوزته حسب ما صرحت به قناة الجزائر، وفي يوم 11/9/2015 ينهي الرئيس بوتفليقة مهام الفريق أحمد بوسطيلة قائد أركان الدرك الوطني ليكون مستشاره الأمني خلفا لبشير طرطاق الذي عينه رئيساً لمؤسسة الاستعلامات خلفا للذئب الشرس والشبح المخفي والصنم الذي لا يقهر والرجل القوي الذي يصعب ترويضه كما يحلو للبعض تسميته، إنه الجنرال توفيق الذي أقاله بوتفليقة يوم 13/9/2015 في خبر عاجل نقلته قناة فرانس 24 وقناة الشروق الجزائرية، ويكون بذلك بوتفليقة قد أنهى الصراع القائم بين جناحه وجهاز المخابرات وكسر هيبة الأسطورة والجنرال الأقوى في تاريخ الجزائر ويضمن بذلك نهائيا استقرار أمن الجزائر ليسهل على خليفته تسيير دواليب الحكم، والكل في انتظار عملية إخراج لتنصيب خليفة بوتفليقة المقعد العاجز بدنيّاً وفكريا عن الحكم.
هنا تتحرك الأقلام والألسن في الجزائر بعد كبت وتكميم وتعتيم دام 25 سنة لتكتب وتتحدث علنا عن الصراع القائم بين جناح السلطة وجهاز المخابرات الموالي لفرنسا ومن ورائها تتمترس وتتخفى الولايات المتحدة الأمريكية لزعزعة استقرار وأمن الجزائر وبسط النفوذ سبقه تصريح جريء للويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال تتهم فيه صراحة الولايات المتحدة الأمريكية، ويكتب الجنرال أحمد شوشان في صفحته على شبكة التواصل حقيقة الصراع القائم بين القوى الاستعمارية بريطانيا وفرنسا وأمريكا حيث قال "بالنسبة لفرنسا وأمريكا يعتبر الطرطاق خير خلف لبوتفليقة ومصلحته تكمن في ضمان التعاون المخلص بين مدير المخابرات الجديد والمخابرات الفرنسية والأمريكية في إطار الحرب على الإرهاب". وكما اعتبر رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس إن إنهاء مهام التوفيق هو بمثابة تصفية حسابات وأبدى تخوفه من نتائج هذه العملية التي قال "أنها تنطوي على نتائج غير متوقعة وخطيرة في ظل الأزمة السياسية التي تعيش فيها الجزائر".
هكذا هو حال الجزائر وباقي بلاد الإسلام؛ عصابات تنهب وأخرى تريد مزيداً من التوغل في الحكم وكلاهما يعمل لمصلحة قوى استعمارية مستبدة لمزيد من بسط النفوذ وتغييب فكرة المصالحة مع الشعوب وكسر الحدود وبناء دولة تكون مرتكزا وحامية لبيضة الإسلام والمسلمين.
بقلم: سالم الهوام - تونس
رأيك في الموضوع