تعمل حكومة عبد ربه هادي مسنودة بقوات التحالف على تحقيق مكاسب واضحة على الجغرافيا اليمنية، تمكنها من بسط نفوذها على كامل اليمن. أتى ذلك واضحا من عملية (تحرير) عدن، فقد تم إدخال أسلحة خليجية ثقيلة قلبت موازين القوى في مدينة عدن لصالح قوات التحالف مع عبد ربه هادي، وتواصل اليوم قوات (المقاومة الجنوبية) طريقها نحو تأمين المداخل إلى مدينة عدن عن طريق التوغل في جبهات لحج والضالع وأبين. وكلها محافظات محيطة بعدن إحاطة السوار بالمعصم، بينما تواصل طائرات التحالف ضرب أهداف عسكرية تابعة لتحالف الحوثي / صالح، في كل من تعز وصنعاء وصعدة.
وفي يوم السبت 16 شوال 1436هـ الموافق 1/8/2015م قام نائب الرئيس اليمني خالد بحاح بزيارة سريعة لعدن، تحمل دلالة أن المدينة أصبحت في قبضة حكومة عبد ربه هادي.
ومن هذا كله يتضح أن حكومة عبد ربه تعول على الخيار العسكري لتحقيق مكاسب سياسية لاحقا، ولهذا نرى أن جبهات القتال مع الحوثيين لا زالت مشتعلة في محافظات عدة، تزامناً مع أعداد ما يسمى الجيش الوطني من خلال دمج المقاومة الجنوبية داخل الجيش اليمني الموالي لحكومة هادي. فقد أعلن رئيس الأركان المقدشي أن لديه حاليا خمس كتائب جاهزة للقتال في كافة الجبهات، وأضاف أن الجيش الوطني سيواصل القتال حتى تحرير صنعاء.
وفي المقابل نرى أنه رغم خسائر الحوثي / صالح في عدن، إلا أن ذلك التحالف لا يزال يقاتل في جبهات عدة في محافظات متفرقة باسطا قوته على معظم الأراضي اليمنية، ولا يبدو أنه يلوح بالاستسلام، إلا أن هناك أصواتا قريبة من الحوثيين بدأت في الحديث عن الحل السياسي لإنهاء معاناة أهل اليمن، صرح بذلك المقرب للحوثيين علي البخيتي. وفي الوقت نفسه يقوم حاليا مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، بجولة للحصول على وقف لإطلاق النار، مطالبا بدخول مراقبين عرب للمساعدة في الحصول على هدنة إنسانية، حسب قوله.
إلا أن الطرفين يعولان على الحصول على مكاسب عسكرية في الميدان، ولهذا فمن المتوقع استمرار القتال بين الطرفين حتى بعد (تحرير) عدن، لأن تحالف الحوثي / صالح، لا يزال يقاتل ولا يزال يبسط نفوذه في معظم المدن.
إلا أن تحقيق مكاسب عسكرية لقوات التحالف العربي مع المقاومة الشعبية في محافظات لحج والضالع وأبين، قد يضع أهل اليمن أمام خيارين أحدهما أن يرضخ الحوثي للدخول في مباحثات الحل السياسي على أن يكون موجودا في التوزيع السياسي القادم، والخيار الثاني أن يتم فصل جنوب اليمن عن شماله، إذا ما استعصى الحل العسكري أمام قوات التحالف وعبد ربه.
هذا بالنسبة للصورة محلياً داخل الأرض اليمنية، إلا أن الأطراف المحلية المتحاربة مسنودة من أطراف إقليمية دولية معنية في الصراع اليمني على الثروة والنفوذ.
فمعلوم أن قاعدة المثلث للثروة النفطية في الخليج، تقع في اليمن ويمتد رأس المثلث إلى العراق، وهذا يعد مطلبا غربياً حيويا يفسر هذا الصراع الغربي على اليمن، علاوة على موقع اليمن بالغ الأهمية للملاحة الدولية والنفوذ الاستراتيجي الذي تطمح إليه الدول الكبرى.
ورغم أن عدن منذ مراحل تاريخية قديمة تتبع للتاج البريطاني إلا أن أمريكا نافستها بشدة في العقد الأخير، مستخدمة في ذلك الحوثيين القريبين من إيران، وقيادات الحراك الجنوبي أمثال علي البيض وعلي ناصر محمد. وجاءت الفرصة للأمريكان مواتية إبان ثورات الربيع العربي فقامت بدعم الحوثيين والحراك الجنوبي بقوة عن طريق عميلتها (المستترة) إيران. أو مباشرة عن طريق الأمم المتحدة، التي نجحت في جعل الحوثيين ندّاً قويا للحكومة اليمنية المتهاوية، لولا إنقاذ الإنجليز لها عن طريق عملائهم المخلصين في دويلات الخليج.
ولهذا لا يبدو أن الإنجليز على استعداد للتخلي عن عدن أو اليمن عموما، وهذا ما يفسر الإمداد العسكري والمالي الكبير لحكومة هادي عن طريق دويلات الخليج. بينما تعول أمريكا على القوة العسكرية للحوثيين مع استخدامها للحراك الجنوبي لرفع رايات الانفصال الجنوبي لخلط الأوراق على الإنجليز. لهذا قام عبد ربه بقطع الطريق على الحراك الجنوبي وقام بتعيين قيادي جنوبي وقيادي من حزب المخلوع صالح مستشارين له، في محاولة لكسب بعض الأصوات المؤيدة للحراك الجنوبي أو للمؤتمر الشعبي العام لصالح الحكومة.
وختاما نقول إن كلا طرفي النزاع في اليمن محليا ودوليا، يعول على المكاسب العسكرية على الأرض لفرض نفوذه السياسي، رغم اتفاق الطرفين على أن المشروع السياسي القادم في اليمن هو دولة مدنية حديثة، تقصي الإسلام عن الحكم ويبعد خطر إعادة الخلافة الإسلامية عن المشروع الغربي، إلا أن المبشر في هذا الصراع أن هذه القيادات من كلا الطرفين قد تعرت أمام الأمة وانكشفت تبعيتها، وانسلاخها عن مشروع الأمة الإسلامية خلافة على منهاج النبوة تكون رحمة للعالمين ونقمة على أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
رأيك في الموضوع