بعد مضي عقد من الزمان على عملية السلام مع الأكراد وتزامنا مع ثورات الربيع العربي وثورة الشام بالذات وإدراك حزب العدالة والتنمية أن الاستقرار السياسي والأمني لن يحدث في تركيا إلا في حالة التوصل إلى تسوية للمسألة الكردية، خصوصاً أنها باتت تحظى باهتمام دولي ملحوظ، فضلاً عن أنها كلفت خزينة الدولة ما يقرب من 400 مليار دولار على مدى ثلاثين عاما، حسب تقديرات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي انتهج سياسة الاحتواء بالنسبة للأكراد وبدأ بإجراء مجموعة من الإصلاحات تتعلق بحقوق الأكراد، توجت بمشاركة لأول مرة في تاريخ تركيا لحزب ذي امتداد كردي في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في السابع من حزيران الماضي، حيث حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تركيا على دعم واسع من الأكراد والعلويين في تركيا، واستطاع بذلك الدخول إلى البرلمان التركي بعد اجتيازه حاجز الـ10% وحصوله على 80 مقعداً في البرلمان التركي الذي يبلغ عدد أعضائه 550 نائبا.
اتخذ حزب الشعوب الديمقراطي استراتيجية تشير إلى أنه حزب تركي، ولقي قبولا واسعا لدى الناخب التركي ويبدو أن تنسيقا ما كان وحتى وقت قريب بينه وبين النظام التركي فهو لا يرى القضية الكردية على أنها قضية حتى، بل يصفها في بعض من خطاباته ومناسباته على أنها (المشكلة الكردية) فالبرنامج الانتخابي لا يمت بصلة إلى حزب كردي بالمعنى الحقيقي لصفة (كردي)، أو حزب يدافع عن القضية الكُردية، فضلاً عن أن «حزب الشعوب الديمقراطي» ذاته لا يشير إلى نفسه بأنه حزب كردي أو أنه موجود بمكان الدفاع عن القضية الكردية، إلا أن لغة ولهجة الخطاب تغيرت بعد فوزه في الانتخابات وظهر واضحا النَّفَس القومي الكردي في الخطابات والمطالب من حكومة تركيا.
وفي يوم الثلاثاء 7/7/2015 وعلى مدى يومين، عقد اجتماع أمني أمريكي تركي في العاصمة التركية أنقرة وفي مقر قيادة الأركان بين مسؤولين عسكريين ونائب وزير الخارجية التركي فريدون سنيرليوغلو، وممثل الرئيس باراك أوباما لشؤون محاربة تنظيم الدولة الإسلامية جون إيلن ونائبه وزير الدفاع للسياسات كريستين ورموث، والذي أكد على ضرورة مواصلة محاربة تنظيم الدولة، ومشاكل الحدود الجنوبية، وتمدد حزب العمال الكردستاني. مع ملاحظة مدة الاجتماع ومكانه وتشكيلة الوفد، كل ذلك يشير إلى أن المباحثات تناولت قضايا استراتيجية بالغة الأهمية والتعقيد حصلت فيها تركيا على صفقة ما أو دور ما يتعلق غالبا بسوريا، وذكرت صحيفة حرييت التركية أن الأمريكيين طلبوا خلال الاجتماع من تركيا السماح لهم باستخدام قاعدة إنجرليك في الجنوب لشن ضربات ضد تنظيم الدولة في سوريا.
وبعد أقل من أسبوعين من هذا الاجتماع حصل تفجير في مدينة سوروج في مسيرة كردية كان حزب الشعوب مشرفا عليها وبدأ كل فريق يتهم الآخر بأنه يقف خلف هذا التفجير حيث اتهم رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديمرطاش، صراحة مؤسسة الرئاسة بالوقوف خلف التفجير بدعمها تنظيم الدولة، ومن الطرف الآخر من اتهم حزب الشعوب أنه وراء التفجير ووصل الأمر لدرجة التلاسن المباشر بين أردوغان وصلاح الدين ديمرطاش. وتلا هذا التفجير هجوم مباشر لمقاتلي حزب العمال على مقار للشرطة التركية وقتل ضابط وعدد من الأفراد.
وأشار رئيس الوزراء التركي داود أوغلو إلى أن تركيا تشهد عمليتين مهمتين منذ السابع من حزيران/يونيو الماضي (تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية)، تتمثل أولاها في محاولات تشكيل الحكومة، والثانية في مكافحة الجهات التي تسعى إلى نشر الإرهاب والفوضى في تركيا، خاصة بعد الهجوم الانتحاري الذي شهدته مدينة سوروج في العشرين من الشهر الجاري.وأشار داود أوغلو أن العملية العسكرية بدأت أولا في سوريا وأوضح داود أوغلو أن القسم الثاني من العملية العسكرية بدأ مساء يوم 24 تموز/يوليو في العراق، مستهدفا كلا من تنظيم الدولة ومنظمة (حزب العمال الكردستاني)، في حين تَمثّل القسم الثالث بحملة أمنية داخل تركيا ضد التنظيم، وحزب العمال الكردستاني، وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري الإرهابية (DHKP-C)، أسفرت عن اعتقال 1302 مشتبها به حتى مساء 29 تموز/يوليو الماضي.
ويبدو أن أردوغان والنظام التركي لا يخشى إلا عدوا واحدا في حملته هذه، فهو غير جاد فعلا بمقاتلة التنظيم أو على الأقل ليس الآن، لتواتر الأخبار عن مدى التنسيق والعلاقات بينهما. بينما الصورة مختلفة تماما عند الحديث عن منظمة (حزب العمال الكردستاني) أو الأكراد عموما فهم خطر حقيقي بالنسبة لتركيا خاصة بعد الدعم العسكري المتواصل لهم بالسلاح والعتاد من أمريكا لأكراد سوريا ومن أوروبا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، ولم تنجح المحاولات الأمريكية لاحتواء الأكراد وذلك لتعدد الولاءات لديهم، فأوروبا لها نصيب من هذه الولاءات (بريطانيا وألمانيا بالذات) وأمريكا لها نفوذ لدى بعضهم وكيان يهود كذلك.
فهذا التصعيد من أردوغان وحزبه بعد التنسيق مع أمريكا في الاجتماع أعلاه لأمرين:
منع قيام دولة كردية تجاور تركيا خاصة في سوريا والعراق فهذا مرفوض تماما من الأتراك وتعمل تركيا على ذلك بمحاولة إيجاد منطقة عازلة أو آمنة داخل الحدود السورية ويبدو أن هناك ضوءا أخضر لذلك.
والأمر الآخر الداخل التركي الذي يحاول أردوغان أن يستعيد ثقته خاصة أن محاولات تشكيل الحكومة قد تتعثر مما يعني إعادة الانتخابات التشريعية وزيادة فرص حزب العدالة والتنمية بالحصول على النسبة التي كان يسعى لها ليتفرد في تشكيل الحكومة القادمة وتحقيق الأهداف التي يصبو إليها.
رأيك في الموضوع