قدّم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتسعة أعضاء آخرين من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية استقالات إجرائية في 22/8/2015م بهدف الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني بغرض انتخاب لجنة تنفيذية جديدة وإعادة ترتيب وضع المنظمة.
وعقب الاستقالة واجتماع عباس برئيس المجلس الوطني سليم الزعنون تمت الدعوة لعقد جلسة للمجلس في رام الله في 14-15/9/2015م.
وسبق تقديم الاستقالات الشكلية إقالة ياسر عبد ربه من منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وانتخاب صائب عريقات بديلا له. وقد سربت صحيفة الأخبار اللبنانية محضر اجتماع سري عقد بين كل من محمود عباس وصائب عريقات وماجد فرج خططوا فيه لاستبدال شخصيات من اللجنة التنفيذية موالين لعباس بآخرين.
وتباينت ردود فعل الفصائل الفلسطينية تجاه هذا الإعلان، فاعتبرت حركة حماس الدعوة لانعقاد المجلس الوطني باطلة بسبب عدم شمولها لقوى المقاومة، ورفضتها فصائل أخرى لأسباب إجرائية ولانعقاده في رام الله، فيما دعت حركة الجهاد الإسلامي إلى تأجيله. غير أن تلك الردود بقيت ضمن إطار القبول بمنظمة التحرير مع خلافات حول كيفية إحيائها وإصلاحها وإدارتها والعضوية فيها.
كما اتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري برئيس السلطة هاتفيا، حيث ناقش معه ملفات عدة منها الوضع الداخلي وسبل استئناف المفاوضات، وسيلتقي كيري بعباس على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك نهاية الشهر الجاري بعد الانتهاء من الترتيبات الجديدة.
والناظر في سياق الأحداث التي اكتنفت هذا الإعلان يجد أن هناك أفقاً سياسياً قاتما لمشروع السلطة ونهجها التفاوضي في ظل انشغال أمريكي ودولي وإقليمي بالحرب على الإسلام المسماة بالحرب على الإرهاب، وانشغال الدول الفاعلة في المسرح الدولي بملفات أكثر سخونة في المنطقة كالملف السوري واليمني والليبي والعراقي.
ويأتي هذا الإعلان كذلك في ظل استمرار السياسة اليهودية العدوانية التي تصعد من إجراءاتها تجاه الأقصى ومدينة القدس وبقية الأراضي المحتلة، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن نشهد جريمة يهودية من اقتحام للأقصى واعتداء على المصلين، ومن قتل وحرق للنساء والأطفال والمدنيين بدم بارد، وتدمير للبيوت والمساجد، وتغول في الاستيطان.
إن هذا الأفق السياسي القاتم لمشروع منظمة التحرير جعل وليدتها السلطة في مهب الريح، وجعل من شعبيتها في الحضيض فهي تؤدي دور الشاهد - وأحيانا المساعد - لجرائم الاحتلال دون أن تحرك ساكناً لصده ودون أن تقدم للناس إنجازا ولو وهمياً "يبرر" لهم خنوعها وتنسيقها الأمني المخزي مع يهود، وهو ما دعا رئيس السلطة إلى أن يعتبر شرعيته قد اهترأت، وأن يفكر بالاستقالة لا سيما مع تقدمه في السن.
فاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني يأتي لغرض تهيئة التربة وتذليل العقبات أمام من سيخلف عباس في رئاسة المنظمة ولاحقا في رئاسة السلطة الفلسطينية، وذلك عبر التصفيات السياسية للطامعين في كراسي السلطة ولأتباعهم، مما أثار حفيظة أطراف متعددة في منظمة التحرير فاعتبروا تصرف عباس تفرداً بالقرار الفلسطيني وسعياً لتقديم رجالاته وأتباعه الذين بالطبع لا بد أن ينالوا في المحصلة الإقرار الأمريكي وأن يسيروا في تنفيذ الأجندات الأمريكية.
أما فيما يتعلق بإعادة النظر في العلاقة مع كيان يهود، فلن يجرؤ المجلس على تغييرها إلا بمستوى سطحي ذراً للرماد في العيون وللاستخدام الإعلامي فقط دون أية تغيرات حقيقية على الأرض، فالسلطة قائمة على حفظ أمن يهود وما عدا ذلك فخارج مهامها التي ارتضتها لها القوى الغربية الاستعمارية (المانحة) صاحبة القرار بإنشائها.
إن الحديث عن إعادة النظر في علاقة المنظمة بكيان يهود لا يعدو الجعجعات الإعلامية في محاولة بائسة لنفخ الروح في مؤسسات هذه المنظمة بعدما بليت عظامها، وسعياً لإعطائها دوراً وزخماً ولو كاذبا، لكن ذلك لن ينطلي على عاقل، فكيف للمنظمة وسلطتها أن تدبر عن كيان يهود وهي تعقد جلساتها تحت هيمنته؟! وأعضاء المجلس سيحضرون الاجتماع برضاه وموافقته وعبر أخذهم للتصاريح منه؟!
إن المجلس الوطني الذي يعدّ الهيئة "التشريعية" لمنظمة التحرير، قد مضى على انعقاد آخر جلساته ما يقارب العشرين عاماً، حيث عقدت آخر جلسة له في 25/4/1996م والذي ألغى فيها بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تتعارض مع رسائل الاعتراف بين منظمة التحرير وكيان يهود.
وبُعد المسافة في انعقاد جلساته يؤكد على كونه مؤسسة هرمة ومهترئة ولا وزن لها كبقية مؤسسات منظمة التحرير البالية، وأنها لا تُستدعى ولا يتم نفخ الروح فيها إلا كلما لزمت لتضفي "الشرعية" على تفريط بالأرض والعرض والمقدسات.
لقد هوت منظمة التحرير بقضية فلسطين وقزّمتها من قضية أمة وأرض مباركة محتلة تستوجب نفير الجيوش إلى نزاع على كراسي سلطة وهمية لا قوائم لها إلا برضا الاحتلال وإذنه.
إن التاريخ سيشهد أن منظمة التحرير قد لعبت دوراً خيانيا في قضية فلسطين لا نظير له وكانت جسراً لتمرير وتسويغ اتفاقيات الخزي والعار، فهي منذ نشأتها كان الغرض منها أن تكون أداة لتشريع احتلال الأرض المباركة.
إن منظمة التحرير قد اغتصبت تمثيل أهل فلسطين وأُلبست ثوب "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" بقرار من أمريكا عبر عملائها من الحكام لتخدم أجنداتها، وأهل فلسطين منها ومن سلطتها براء.
لذا كان حرياً بأهل فلسطين أن يلفظوا هذه المنظمة والقائمين عليها ويرفضوا أن تكون ممثلا لهم فيسترجعوا ما اغتصب منهم ويرفضوا الدعوات لإصلاحها أو ترميمها، فيتبرؤوا من كل قراراتها وأن يعلو الصوت بأن منظمة التحرير لا تمثل أهل الأرض المباركة فلتكف يدها عنها، لتعود فلسطين قضية أمة ترنو لتحرير كل شبر منها والصلاة في مسرى نبيها، وإن اليوم الذي ستتحرك فيه جحافل جيوش الأمة الثائرة للقضاء على كيان يهود وأتباعه في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة بات قريباً بإذن الله، وحينها ستأرز الخلافة لبيت المقدس فيكون عقر دارها. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
رأيك في الموضوع