في هذا الوقت والذي تنكشف فيه سوءة الدول العلمانية الرأسمالية، المتقدمة منها والمتخلفة على السواء، في هشاشة الرعاية الصحية والجشع مع الفشل في الرعاية الاقتصادية، فإن عدنا إلى ما يقتضيه الإسلام في السياسة الاقتصادية للدولة الإسلامية سنرى أن الدولة هي الضامن لإشباع الحاجات الأساسية لرعاياها فردا فردا، ومع أن الدولة لا تقوم بشؤون الأفراد إلا إذا عجزوا عنها، فإن ظرفا من مثل ظرف الوباء الحالي (كورونا) الذي يتطلب الحجر يجعل الكثير من الأفراد عاجزين عن القيام بشؤون معيشتهم وكفاية أنفسهم، وهنا تقوم الدولة بالمباشرة وبكل أسلوب مناسب لقضاء شؤونهم بما يشبع حاجاتهم الأساسية إشباعا كليا، ومثلها الرعاية الصحية بما يتعلق بضمان التطبيب والرعاية الصحية لكل فرد بعينه مع القوامة على الصحة العامة والإجراءات حال الوباء بما قررته الأحكام الشرعية.
إن هذه السياسة للدولة الإسلامية ليست برنامجا حكوميا وإنما هي سياسة ثابتة قررتها الأحكام الشرعية، وهي وإن كانت الآن طرحا فكريا سياسيا، فقد كانت فيما مضى واقعا مضيئاً بخلاف ظلام الرأسمالية الذي نحياه هذه الأيام.
لقد حصل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قحط شديد أدى إلى هلاك الزرع والضرع والأنعام فيما عرف بعام الرمادة، وقد لجأ الناس من الأطراف والبوادي إلى عمر في المدينة إدراكا منهم لمعنى مسؤولية الدولة عنهم، وأن الإمام راع وهو مسؤول عنهم، وأنهم عيال الدولة وليست الدولة هي العالة عليهم، وكانت أعدادهم هائلة حتى كان يطبخ في المدينة يوميا لعشرات الآلاف من الناس يشرف على كل ذلك وبالتفصيل عمر رضي الله عنه، وقد استنفر عمر الولايات، فأرسل ولاته من المواد اللازمة ما يكفي ويزيد، حتى إذا انجلت الأزمة عاد الناس إلى أماكنهم وهم محملون بما يكفيهم، فكان كل ذلك تطبيقا عمليا لما اقتضته أحكام الشرع من مسؤولية الدولة عن إشباع حاجات الناس إذا عجزوا عنها، والاستنفار في تخصيص الموارد حين الأزمة الاقتصادية، كما كان الحجر وقت الطاعون صورة عن إدارة الأزمة الصحية الوبائية بما اقتضته الأحكام الشرعية أيضا، ومن هنا فقد باتت الدولة الإسلامية (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) ضرورة يقتضيها العيش الكريم للبشر، كما أنها واجب شرعي تقتضيه النصوص الشرعية.
رأيك في الموضوع