في موريتانيا سُن مشروع قانون مثير للجدل حول العنف ضد النساء، احتفى به المدافعون عن حقوق النساء، واعتبروه خطوة مهمة في اتجاه المساواة بين الجنسين، وإقرار حقوق المرأة، كما وجد من يعتبر ذلك ضد أحكام الشرع الإسلامي. فمنذ إعلان الحكومة عنه انقسمت الآراء حوله بين من يرى أنّه ضروري لمواكبة تغيرات المجتمع، وبين من يرى أنّ إقراره مخالف للشريعة ويقوض المنظومة الأخلاقية للمجتمع في ظل هذا الصراع الفكري، لا بد من توضيح حقيقة هذا القانون:
يعتبر القانون الجديد تحولا كبيرا في منظومة مدونة الأحوال الشخصية في موريتانيا منذ إنشائها 2001م والتي احتوت بعض آراء فقهية، كما احتوى تعريفات شرعية كما بينت المادة 311 أنه يرجع في تفسير مدلولات هذه المدونة الإشكال إلى مشهور مذهب الإمام مالك... (المادة 311) وبالتأكيد نشأ صراع عنيف، بواسطة جمعيات حقوق المرأة التي تستند إلى الديمقراطية التي تمنح المرأة ما أسمته حقوقا تتعارض جملة وتفصيلا مع معتقدات أهل موريتانيا المسلمين، وها هي الحكومة الموريتانية تتوج هذا الصراع بقانون جديد، ينتصر لجمعيات حقوق المرأة وليس لنساء موريتانيا، فهو يمنح النساء حقوقاً موسعة ويفرض عقوبات قاسية بحق من يتمسك بحقه الشرعي من الرجال، سواء أكان زوجاً أم ولياً.
ومن بين أكثر مواد القانون إثارة للجدل المادة التي تنص على معاقبة أولياء الأمور الذين يُزوّجون بناتهم قبل سن الثامنة عشر، لا تخالف أحكام الإسلام الذي يربط الزواج بالأهلية فقط من دون تحديد سن معينة، هذه المادة هي صدى أبواق الغرب من جمعيات حقوق المرأة التي لهثت سنيناً وراء المطالبة بإلغاء شرط الولي في الزواج ومنح المرأة حق تزويج نفسها هذا ليس استنادا إلى مذهب بل هو تضليل لجعل الزواج العرفي وغيره من الرذيلة أمرا عادياً، كما يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة مالية كلّ من يتحرش بامرأة عن طريق أوامر أو تهديدات وإكراه لغاية الحصول على امتيازات جنسية... هنا قد يبدو للبسطاء أن القانون خدم النساء وأنصفهن، لكن الحقيقة أن هذه المادة هي تثبيت لمفهوم حرية المرأة الغربي الوضعي الذي لا غضاضة فيه على من تحرش وزنى وفعل كل الرذائل ما دام قد حدث ذلك بحرية ودون إكراه، فأي تهافت هذا الذي أعمى القلوب والأبصار من ذلك البحر الطام الذي يغرق فيه الغرب من اختلاط الأنساب والأمراض وسخط الله أكبر.
يقضي القانون أيضا بمعاقبة كلّ مسلم بالغ ذكراً كان أم أنثى ارتكب جريمة الزنا طواعية بمائة جلدة (وهي العقوبة الشرعية) أو الحبس لمدة سنة، وهنا مساواة لتشريع خالق البشر بالقانون الوضعي ومحاولة لمحو أحكام الإسلام العظيم ومقارنتها بغيرها للترويج لمفهوم خبيث هو أنه ما دام حكم الإسلام قاسيا لا بد من حكم آخر وما دام أنه يؤدي غرض العقوبة فهو بديل لحكم الإسلام. ويعاقب من شهرين إلى خمس سنوات سجناً كلّ زوج سبّب بإرادته ضرباً وجروحاً أو مارس العنف على قرينه، سواء أكان بدنياً، أم معنوياً، أم نفسياً. وفي حال حجز الحرية يعاقب من شهرين إلى سنتين حبساً، وهذه مادة تدعو صراحة للمثلية الجنسية فبدل لفظ زوجة أو زوج، وضع لفظ قرين، وهذا يفتح الباب واسعا للمثليين أن يحيوا حياة طبيعية في موريتانيا البلد المسلم، فأي أجندة عقيمة ساقطة يخدمها سن هذا القانون؟!، ويمنح القانون الجديد المرأة الحق في ممارسة حريتها في الخروج والقيام بأي نشاط ترغب فيه، في أي وقت من دون إذن من زوجها. ويعاقب بالسجن سنة أو سنتين كلّ زوج يمنع أو يقيّد زوجته عن ممارسة ما سمي بحريتها العامة. كذلك، يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى نصف مليون أوقية (1390 دولاراً أمريكياً) كلّ زوج يعرّض زوجته إلى ممارساتٍ لا إنسانية، مثل الضرب والإهانة. تضع هذه المادة في الاعتبار أن الرجل عدو المرأة اللدود بدلا عن المودة والرحمة، التي هي نتيجة الزواج في الإسلام، كما تسلط الضوء على ضمان الحرية الشخصية للمرأة بممارسة كل ما ترغب فيه، فهل وصلت بنا الحال أن نرى المرأة الغربية وهي تحصي نسب الاعتداء عليها حدا يحسب بالدقائق فتموت في كل دقيقة ثلاث إلى أربع نساء بسبب العنف من الزوج أو الصديق ثم يسن قانون هذه الحضارة الساقطة في بلادنا؟!
إن هذا القانون يتجاهل الخصوصية المبدئية لأهل موريتانيا المسلمين، وينتصر للحركات النسوية من دون مراعاة لأحكام الشريعة الإسلامية، فيما يتجاهل القانون المشاكل الحقيقية التي تثقل كاهل المرأة، فأي انتصار للمرأة قدم هذا القانون والدولة تعترف بمعاناة لا محدودة للمرأة؟! قالت ميمونة التقي، وزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة في الحكومة الموريتانية، إن المجتمع الموريتاني يعاني وجود مشكلات اجتماعية مهمة لا زالت تعاني منها الكثير من الموريتانيات. وعلى سبيل المثال هناك تسرب كبير للفتيات في مرحلة التعليم الثانوي تصل تقريبا إلى نسبة 47 في المائة من إجمالي الفتيات في سن التعليم. وتتراوح نسبة الفتيات اللاتي يصلن إلى التعليم الجامعي بين 17 إلى 20 في المائة فقط من إجمالي من يدرسون في الجامعات، وهذا يرجع لعوامل كثيرة، من أبرزها الفقر وعدم قدرة كثير من الأسر على تحمل تكاليف دراسة كافة أبنائها.
علاوة على كل ما سبق هناك مشكلة ارتفاع نسبة الطلاق إلى نحو 32 في المائة بين الأزواج في المجتمع الموريتاني (BBC 3 آذار/مارس 2016م).
إن القوانين التي تسن في بلاد المسلمين لا تعالج المشكلات الحقيقية، بل تزيد المشكلات، وتصب في تغريب المجتمع وإزالة سمات الإسلام التي هي عصية على جهود العلمانيين والمتغربين المدفوعة الأجر من أسيادهم، ولن يضع حدا لهذه القوانين إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي لها سيد واحد أحد هو رب الكون والبشر.
رأيك في الموضوع