لا شك أن النصر يتنزل على أولئك الصابرين، الذين وثقوا بأن الله تعالى ناصرهم ومعينهم، فطالما أنهم على ثقة بقرب فرج الله سبحانه، وأنه ناصرهم ولو بعد حين، فهم لا يتزلزلون مهما كان البلاء والشدة، ولا يستسلمون مهما مر بهم من كوارث ومصائب وضائقات، ولا يتنازلون عن مبدئهم مهما تضررت مصالحهم الآنية، فإن مصلحتهم الحقيقية هي في نوال رضوان ربهم، وفي عيشهم في ظل أحكام الإسلام وشريعته، ولا يساومون في قضيتهم مهما بلغت بهم الحاجة، ومهما واجهوا من شظف العيش والمعاناة في الحصول على لقمة الطعام، ومهما كثرت عليهم المغريات والملهيات، برغم كل ذلك هم الثابتون، هم الواصلون الليل بالنهار لينتصروا لقضيتهم المصيرية ألا وهي تعبيد العباد لربهم، بإقامة حكمه وشريعته، ودولة ترفع راية دينه، فهؤلاء لا شك مبشَّرون، لا شك هم المفلحون الفائزون. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
يسوؤنا ما نراه اليوم من اعتداءات الكافرين السافرة على المسلمين في أرجاء المعمورة، يتواطأ معهم حكام المسلمين في العلن وبلا حياء حيث قرروا أن يقفوا في صف الكافر في حربه على الإسلام والمسلمين، وهذا من فضل الله علينا أن الصفوف قد تمايزت، ولكن في هذه الحرب يزداد البلاء ويشتد على المؤمنين المخلصين، في مرحلة تزداد فيها الحاجة إلى الثبات، الثبات الذي بعده يكون الفتح والنصر المبين بإذن الله رب العالمين. فها هم يهود يصعدون وتيرة العداء والاعتداء على أهل فلسطين، فتعلن كل يوم قطعان المستوطنين أنها تنوي اقتحام المسجد الأقصى لأداء تضحيات وصلوات في حرمه، وتنفذ ما تقول بحماية جنود الاحتلال، بشكل مستفز، يتواطأ معهم حكام المسلمين في مصر والأردن وسوريا وتركيا، وتروج لهم الإمارات، ويضفي عليهم نظام آل سعود صبغة الشرعية، مع خضوع وخنوع وزيارات في الخفاء والعلن من الحكام الآخرين في السودان؛ العسكر والمدنيين، وغيرهم في بلاد الإسلام، مع صمت وغض للطرف من كثير من العلماء، ودعوات من آخرين بالتطبيع والخنوع، بموقف فاجر قذر لا يراعي حرمة للدين ولا للدماء والأعراض!
في وقت يكيل بمكيالين، صمتٌ أمام ما يحدث في فلسطين، وتعاطفٌ مع الحرب في أوكرانيا... إنه النفاق العالمي!
والمشهد نفسه يتكرر مع المسلمين الإيغور في الصين حيث جاء في تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي صدر في 3/8/2022م أن هناك "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكب" في الصين، ورأى أن بعض الممارسات ضد مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية ترقى إلى حد "جرائم ضد الإنسانية". (الجزيرة نت 9/9/2022م)
في آب/أغسطس 2018 أفادت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الإيغور في معسكرات سرية بتركستان الشرقية، حيث تسيطر الصين منذ 1949 على الإقليم وتحتجزهم في "معسكرات إعادة تأهيل" في تركستان الشرقية، كما فرضت "العمل القسري" أو "التعقيم القسري" (الإصابة بالعقم). ونشر معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي تقريرا يوم الخميس قدر أن نحو 16 ألف مسجد دمرت أو لحقت بها أضرار في تركستان الشرقية، معظمها منذ عام 2017، بسبب سياسات الحكومة الصينية.
ومن المحزن والمؤسف أن الحكام السفهاء في بلاد المسلمين واصلوا عملهم المفضل؛ الوقوف مع أعداء الإسلام في الحرب على الإسلام وأهله، ففي 22/10/2021م، دافعت 62 دولة معظمها بلدان إسلامية وأفريقية عن ممارسات الصين تجاه مسلمي الإيغور. وجاء في بيان وقعته البلدان الاثنان والستون أنها "تعارض المزاعم التي لا أساس لها ضد الصين بدوافع سياسية قائمة على التضليل الإعلامي والتدخل في الشؤون الداخلية للصين بحجة حقوق الإنسان". وشددت في هذا البيان - الذي كان من بين أبرز الموقعين عليه مصر والسعودية وباكستان والمغرب - على "وجوب التزام كل الدول بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحياد والموضوعية.
لا شك أن ما تمر به أمة الإسلام اليوم هو واقع مؤلم تتكالب فيه الأمم عليها لعدم وجود النظام الذي يجمعها ويوحد صفوفها، فكان لا بد من الثبات والعمل للتغيير لإقامة الدولة التي تحمي المسلمين وتدافع عنهم؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
لقد عبرت آيات كثيرة أن النصر يكون بعد الثبات والصبر على البلاء؛ منها قول الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. [سورة البقرة: 155-157].
وقال تعالى عن الصحابة رضي الله عنهم وهم يبذلون الغالي والنفيس بل حتى أرواحهم في سبيل دين الله تعالى كما وصف الله ذلك في سورة الأحزاب: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.
في الحقيقة إن المواقف التي يقفها أهل الإيمان في وقت الشدة والبلاء، ترسل رسالة قوية لكل الطغاة في الأرض أن أهل الإيمان هم المنتصرون بغض النظر عما لاقوه في سبيل إظهار إيمانهم، وفي سبيل إيصال الحق للناس، نعم هم المنتصرون كونهم يقولون للباطل (لا)، ويقولون للظالم (توقف عن الظلم)، هذه المواقف وقفها المؤمنون؛ منهم العلماء، وقادة الجند، ومنهم من عامة الناس، علّمهم ذلك نبيهم وقائدهم محمد ﷺ الذي ثبت ولم يساوم على دعوته، ولم يجامل في قضيته، برغم كثرة فنون المساومة واشتداد المحن، وشدة الضغوط، وقلة المعين والنصير من البشر، ليس معه إلا الله تعالى، ونعمِّا هو كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾. [سورة الحج: 38]
إننا اليوم نحتاج إلى الثبات على قضية إظهار الإسلام في الأرض بإقامة دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مؤمنين بربنا واثقين بصحة قضيتنا، وأقوياء في عزيمتنا، لا تلين لنا قناة، ولا تضعف لنا همة، فمن كان هذا حاله فكيف لا ينصره الله؟!
يتبع...
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع