لقد بات واضحا للجميع أن ترك ميدان السياسة للفاسدين، وتوهُّم أن الحياة يمكن أن تستمر هادئة حتى لو ابتعد العقلاء عن السياسة خدعة كبرى، وها نحن ندفع ثمن هذا الوهم غاليا. فحين يصبح الحصول على مقومات العيش البسيطة الأساسية (منزل، طعام، مدارس، نقل، طب،...) أمراً حكراً على نسبة ضئيلة من المجتمع قد لا تتجاوز العشرة بالمائة، ندرك حينها كم تم تضليلنا، وحين يصبح الحفاظ على عقول أطفالنا وأخلاقهم همّاً ثقيلاً يؤرق العائلات، فاعلم حينها فداحة الأوضاع.
إن الفقر الزاحف على الجميع والإفساد الذي يستهدف الجميع، وجبال الأزمات التي تثقل كاهل الجميع وتحاصرنا من كل الاتجاهات، يستوجب من الكل إعادة التفكير بجدية فيما يحيط بنا؛ في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المطبقة علينا، في الأولويات، في الأسس التي يجب أن تنبني عليها العلاقات الداخلية والخارجية، في نظام القضاء والعقوبات، في التعليم والإعلام، في مقاييس اختيار السياسيين... في كل شيء.
ليس مطلوبا من الكل أن يصبحوا مفكرين وباحثين، ولكن المطلوب من الجميع أن يستنكروا الأوضاع وينفضوا فوراً عن المجرمين الفاسدين الذين كانوا سببا فيما آلت إليه الأوضاع، ولا يؤيدوهم حتى ولو بشطر كلمة، ويلتفوا حول من يتلمسون فيهم الإخلاص والقدرة على تقديم العلاج الناجع قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» أخرجه أبو داود.
لقد أرشدنا الإسلام إلى أن السياسة هي رعاية مصالح الناس وخدمتهم والسهر على شؤونهم، وهي دون شك عمل راقٍ شريف وليس عملا فاسدا وسخاً كما صوّره وصيّره العلمانيون، وإلا لم يشتغل به الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» صحيح مسلم.
وعندما نقول بوجوب الانخراط في العمل السياسي بصفته واجباً شرعياً وضرورة حياتية، فإننا من المؤكد لا نقصد الانخراط في الأحزاب السياسية التي أوجدتها ورعتها الأنظمة القائمة لتكريس الواقع وتبريره، ولا نقصد المشاركة في لعبة الانتخابات التي لا تعدو أن تكون إعطاء الشرعية لنظام فاشل سلفاً، وإنما نقصد الانخراط في الأحزاب المبدئية التي تحمل تصورا متكاملا عمليا منبثقا من الشرع، عن الدولة وأجهزتها وطريقة عملها، فبغير هذا العمل لن تحصل أي نتائج، بل ستستنفد الجهود وتضيع الأوقات ولن يُجنى منها سوى مزيد من المآسي والضنك.
لقد جهز حزب التحرير منذ عقود، تصورا واضحا شاملا للدولة منبثقا حصريا من أحكام الشرع، ابتداء من الدستور ومرورا بمختلف أجهزة الدولة وأنظمتها. ومنذ نشأته لم ينفك الحزب يدعو المسلمين إلى العمل معه، ومؤازرته في عمله الدؤوب لاستئناف الحياة الإسلامية وانتشالهم من القعر الذي أنزلهم إليه أتباع الاستعمار، وإعادتهم لاقتعاد مركز الريادة الذي شغلوه عن جدارة واستحقاق على مدى عشرة قرون. وهذا العمل قد قطع بفضل الله أشواطا كبيرة، والوعي اليوم على أهمية وجود دولة خلافة للمسلمين يكاد يكتسح الشارع من الرباط إلى كوالالمبور.
فهلم إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، هلم إلى ما يحييكم حياة طيبة هنية، ويحفظكم ويحفظ أعراضكم من عبث العابثين.
رأيك في الموضوع