قال سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وهذا قول عام ليس له ما يخصصه، سواء في الإيمان والعمل الصالح، أم مع الرجل والمرأة، ومن أهم الأعمال الصالحة الدعوة إلى الله، وقد كان هذا في المرحلتين المكية والمدنية، ولذلك فإن الدعوة إلى الله أمر موجه إلى الرجال والنساء على حد سواء، وإنه لا يخفى على أحد دور النساء اللواتي أسلمن في مكة منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية فيها، وحملن الدعوة مع الرسول ﷺ لإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة. وللمرأة دور رئيس في الدعوة الإسلامية منذ عهودها الأولى، وقد ذكر ابن حبان وغيره جملة من أسماء النساء الأوائل، اللائي أسلمن في المرحلة المكية، ووضع التاريخ الإسلامي أسماءهن في قائمة الشرف الدعوي للنساء، باعتبارهن صاحبات الفضل السابق على أي امرأة جاءت بعدهن في الإسلام. وكان لكل واحدة منهن جهدها في الدعوة الإسلامية، وتثبيت أزواجهن، وقد اشتهرت بعضهن بمواقفهن القوية في الدعوة إلى الله ضد الطواغيت، وتحمّل أصناف العذاب في سبيلها، ما يضاهي مواقف الرجال، ويضع قدوة حسنة لمن يأتي بعدهن من النساء اللواتي عقدن العزم على العمل لإقامة الدين في كل زمان ومكان.
وهذه نبذة مختصرة جدا عن بعضهن، عسى أن تكون حافزا قويا لنساء المسلمين اليوم لحمل دعوة الإسلام مع العاملين الجادين والهادفين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، اقتداءً بأولئك القامات النسائية:
- خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، زوج النبي ﷺ، فقد كانت من أعقل النساء، فقد بادرت بالإيمان بالله تعالى وبرسوله ﷺ ودعمت النبي ﷺ منذ اللحظة الأولى، فعندما بدأ يتنزل الوحي قالت له: "أبشر يا ابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة". وكان جبريل يقرئها السلام من الله، فترد: الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام.
- سمية بنت خياط من الثبات على الدين، وتثبيتها لزوجها ياسر بن عامر حتى لقيا ربهما رضي الله عنها، لتصبح أول شهيدة في الإسلام.
- أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فقد كان لتضحيتها وبطولتها الأثر الأكبر في نجاح هجرة النبي ﷺ، إلى المدينة، وسُميت بذات النطاقين.
- أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنيَّة رضي الله عنها، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي رضي الله عنها، وبرز دورهما الدعوي الحساس في المرحلة المكية من خلال مشاركتها في بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب والقتال)، حيث شاركتا مع الرجال في مبايعة النبي ﷺ.
وما قاله الرسول ﷺ في حق خديجة وعائشة رضي الله عنهما خير دليل على قوة المستوى الدعوي والعلمي للمرأة في الإسلام. وواقعهن يشهد بإخلاصهن الخالص ووعيهن السياسي الكامل، ومشاركتهن في الأعمال الدعوية والسياسية قبل إقامة الدولة بشكل فاعل.
إن العمل السياسي في كتلة تدعو للإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ليس حكرا على الرجال، بل كذلك يشمل النساء. ولم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم، فالأمر يتعلق بتبرئة المرأة ذمتها، وقيامها بما أوجبه الله عليها في هذا الباب الكبير كما يتعلق الأمر بذمة الرجل في قيامه بأعمال حمل الدعوة، والعمل مع العاملين لإقامة دين الله في الأرض. قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
وخلاصة القول: إن الرجل والمرأة أمام التكاليف الشرعية سواء، وإن نساء المسلمين اليوم مكلفات بالعمل مع العاملين لإقامة دولة خلافة المسلمين الراشدة على منهاج النبوة كما هو التكليف على الرجال من الأمة الإسلامية. وبناءً عليه فلا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من هذا العمل الجليل، إلا إذا تعارض مع واجبات أولى منه، وفق قاعدة تزاحم الفروض. وهم في الأجر العظيم سواء، مصداقا لقول الرسول ﷺ الذي أخرجه الترمذي عن أبي ثعلبة أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟! قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ». هذا فضلا عن أن العمل لإقامة الخلافة اليوم هو فرصة تاريخية حصلت مرة بهدم الخلافة العثمانية، ولن تتكرر بعد ذلك، مصداقا لحديث النبي ﷺ الذي رواه الإمام أحمد بسنده عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ».
رأيك في الموضوع