إننا ندرك أننا في مرحلة فاصلة في التاريخ، وندرك أن ثورتنا المباركة تمر بأخطر مرحلة وسيترتب على نتائجها أمور عظيمة في ظل تربص الجميع بنا وبالثورة، وفي ظل العداء المستحكم للثورة ونتائجها المتوقعة التي ستغير وجه العالم في حال انتصارها، ونعلم أننا نسير على حافة الهاوية، وأن أي خطأ في تقدير الموقف يمكن أن تكون نتائجه كارثية، ومع ذلك فقد عدنا لأصل الثورة الذي انطلقت من أجله وأنها ثورة ضد الظلم والطغيان، الذي لا يمكن السكوت عنه مهما كانت الذرائع والمبررات لأنه أصل لكل شر يمكن أن ينتج لاحقا جراء السكوت عليه، ونحن أمة دفعت أثمانا باهظة في القرن الأخير بسبب بعض المفاهيم الخاطئة وخشية النتائج المبالَغ في حسابها، وفي الوقت نفسه على حساب قضاياها المصيرية.
ولذلك عندما بدأ يقع الظلم على أهل الثورة وبدأت تنحرف البوصلة لم نسكت بل نصحنا ووجهنا بأن ذلك لا يصح ممن ادعى أنه صاحب منهج إسلامي فكيف بغيره، ولم تلق نصائحنا وإشاراتنا بالاً ممن تسلّط على أهل الشام وثورتها المباركة بل زاده صلفا وتكبرا وتجبرا! ومع ذلك آلينا على أنفسنا أن نكون الرائد الذي لا يكذب أهله، وصبرنا على دفع الأثمان في سجون الطغيان مرةً بعد مرة حتى لم تخلُ سجون الظالمين من شبابنا طوال سنوات، واستنفدنا الوسع في النصح للقادة العسكريين وأن الخط والنهج الذي يسيرون به لن يكون إلا صناعة طاغية جديد بدل الطاغية القديم، وأن بداية الطريق تعطيك نتائج نهايته التي ستكون كارثية بكل المقاييس إن لم يتم التصدي لهذا النهج مهما كانت الأثمان باهظة، فمصير الأمة يتحدد في هذه البقعة من العالم في أرض الشام ثغر الإسلام العظيم ورأس حربتها.
حتى وصلنا إلى نتيجة أنه لم يعد بالإمكان الإصلاح؛ فالقوم قد ارتبطوا بأعداء الله وأعداء شعبنا ولم يعد هناك مجال إلا التحرك لوقف الانهيار، وفجّر ذلك الجريمة النكراء فجر السابع من أيار عام 2023 عندما أسفر المجرمون عن وجههم الحقيقي وأنهم قد خرجوا من الصف والتحقوا بأعداء الأمة، وأنهم لا يعبأون بدين وأخلاق، فكانت الشرارة التي أشعلت قش سنوات من الظلم والاستبداد والخيانة تم تتويجها بالعمالة الواضحة في تنفيذ أجندات وأوامر دولية لا تستهدف حزبا أو شخصية بعينها وإنما توجه رسالة واضحة للثورة جميعها؛ أن الأمر انتهى وأن عليكم العودة لنهج الطغيان، وأنه لم يعد هناك فرق بين حكم بشار وحكم قادات الفصائل المرتبطين الذين يتواصلون مع أعداء شعبنا وثورته، فكان لا بد من الرد بحزم على ذلك، وانطلق الحراك المبارك بما تيسر له، وكان لحراك الحرائر شقائق الرجال دور بارز جدا وهنّ أول من دفع ثمن الانقلاب بانتهاك حرماتهن داخل بيوتهن من عصابة مجرمة تدّعي أنها لحفظ الأمن وهي في الحقيقة تنفذ أوامر خارجية لقطع أنفاس الثورة وتضيق عليها وعلى أبنائها معيشتهم وحياتهم.
بدأت الانطلاقة ضعيفة متثاقلة وكان الله خير معين وخير مدد لهذه الثلة القليلة الضعيفة التي لا تملك إلا إيمانها بعدالة قضيتها وحقها في رفع الظلم عن أهلها، وأن ما كان لله فإن الله لن يضيعه، فصدعت الحناجر بالحق والتفّ الناس حول أصحاب القضية وأعطوهم سمعهم طوال شهور طويلة حتى يستبين الأمر، فما نحن مقدمون عليه هو موجة ثانية من الثورة، وهو يعني أن هناك تضحيات وأثمانا سيتم دفعها فيحق للناس أن تتأكد قبل الانطلاق مع الاستعداد التام لدفع الأثمان بعد أن وصل الجميع إلى نتيجة أن القوم لا يمكن إصلاحهم وأن التغيير عليهم هو واجب الوقت فقد أصبحوا للخيانة أقرب من أي وقت.
جاءت ذكرى الثورة قبل شهر لتثبّت المكاسب بخروج الناس وتأكيدها على ثوابت الحراك الشعبي في إسقاط الجولاني رأس العمالة والخيانة، وحل جهاز الأمن العام المخترق وتتحكم فيه دول لا تريد بالثورة وأهلها خيرا، وتبييض السجون وإطلاق سراح جميع المظلومين وفتح الجبهات على النظام المجرم. وهذا الخروج كان دليل وعي كبير من حاضنة الثورة وقراءة جيدة للأحداث ومطابقتها للواقع، وصدق من تحرك، وإخلاص من قرأ وفهم وعرف أن دوره قد حان.
حاول أصحاب الهيئة ومن يديرها لفت الأنظار إلى إصلاحات معينة في شؤون خاصة لا تؤثر على النهج العام الذي خرجت الناس لتغييره وحددت لذلك ثوابت لا يمكن تغييرها قبل تنفيذها، فاستشعرت الدول حقيقة خطورة الموقف الذي اشتغلوا عليه سنوات وأنه يمكن أن يعود بالثورة للمربع الأول، خصوصا بعدما ظهرت كمية الوعي الكبير من قبل القائمين على الحراك وحصر المشكلة برأس الطغيان وجهاز أمنه بعيدا عن العسكريين الذين نالهم من الطغيان ما نالهم هم أيضا، وكالعادة في أي عمل سياسي خرج الكثير ممن يريدون التسلق لأهداف شخصية أو تنفيذا لتوجهات خارجية أو حتى من ضمن صفوف الهيئة بترتيب مع قيادتها بهدف حرف الحراك عن أهدافه وتمييع قضيته عبر إصلاحات شكلية على خطا النظام المجرم، لكن تفاجأ الجميع بالمقدار الكبير من الوعي الذي صقلته السنين لأهلنا في الشام وهم الذين عاينوا صنوف الخذلان أشكالا وألوانا، ولم تعد هناك إمكانية لتمرير هذه الإصلاحات المخادعة بسبب تكرارها، وهذا نهج الظالمين، فهو نهج واحد لا يتغير منذ فرعون وحتى الآن، ويمكن للمتابع البسيط أن يكتشف ذلك. وفشل الجميع حتى الآن في امتطاء حراك شعبنا الذي يزداد الالتحاق به بعد أن أصبح الأمل الوحيد للكثيرين في الخروج من الدائرة التي حشرنا بها أصدقاؤنا قبل أعدائنا، وهو سبيل نجاة الثورة مما يحاك لها في دوائر المخابرات الدولية، وينقذها ويعيدها نقية صافية كما بدأت مع اختلاف يظهر على حركتها هذه الأيام في تبلور أهدافها ودقة ملاحظتها والتزامها بالنهج الذي اختارته للتغيير.
إن الموجة الثانية من الثورة متمثلة بالحراك الشعبي انطلقت بعزيمة الأحرار الذين لا ينامون على ضيم من المخلصين الصادقين الذين يبغون العزة والكرامة ويتحرقون لانتصار الثورة وتحقيق أهدافها بعيدا عن منظومة فصائلية مرتبطة وقادة عملاء للدول الخارجية بغض النظر عن توجه هذه الدول وتصنيفها صديقة كانت أم عدوة، فقد لقي شعبنا من الصديق أكثر مما لقي في العدو، وهذا الحراك الذي ملؤه الوعي ويتحرك تحركات مدروسة ويتفادى الانزلاق في مستنقعات الفشل التي يراد له أن يسقط فيه، هو الحافز الأول الذي يدفع الكثيرين للالتحاق به بعد فشل عمليات امتطائه حتى الآن وقدرته على تحطيم جدار الخوف مرة أخرى، وهذا إنجاز كبير يحسب للحراك لأنه أصعب عمل يمكن أن يقوم به الواعون وهو حرفة دقيقة الصنع في التعامل مع الأحداث داخل أي مجتمع.
ثورة الشام ما زالت تصنع المعجزات رغم التكالب والخذلان والخيانة، وتتألق مرة أخرى وتعطي الدروس العظيمة للشعوب في الإصرار والثبات عن شعب يصنعه الله على عين بصيرة، وتسقيه الثلة الصادقة بالوعي والإخلاص، وتشرف على حركته الارتقائية وتعينه للوصول إلى أهدافه العظيمة عبر بث روح التضحية والفداء، والسير أمامه دون الالتفات لحجم التضحيات التي يتم دفعها على طريق العزة والكرامة التي أصبحت قريبة المنال، وإننا ندعو الله أن يقبل الله منا حراكنا فيُنزل عليه الرضا والقبول، ليكون ذلك مقدمة لملاحم الانتصار التي تعيد الروح بعودة التحرير وانطلاق عجلة المجاهدين التي كبّلها من توسد أمرهم، وتعود الثورة لطريقها الصحيح بعد استعادة قرارها لتحقيق مصالح الأمة بعيدا عن مصالح الدول والمنظومة الدولية، وتحت قيادة سياسية واعية مخلصة تبتغي مرضاة الله وحده، وتنشد العزة للإسلام والمسلمين، وهذا اليوم آت بإذن الله، وقد بات قريبا بل أقرب من أي وقت مضى. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
رأيك في الموضوع